“كنت وحيدا في غرفتي كالعادة، وخيمة الألم مشدودة أوتادها في رأسي، في مكان ما من جمجمتي، إن التفكير الكثير يبعث الألم والقلق والاضطراب، وعلى جدران غرفتي تلك البلاد ما تزال، وذلك العناد ما يزال، إن طلاء هذه الجدران يبدو لي في بعض اللحظات كلسا يتجمد بحديدية على قلبي، وفي بعض الأحيان تنتابني خواطر غريبة، أن أعض هذا الجدار مثلا بأسناني، أن أحكه بأظفاري حتى النهاية”.
كلمات تضعنا وجها لوجه أمام عالم سردي خصب، صاغ ملامحه المغربي محمد زفزاف في روايته “أرصفة وجدران” الصادرة في القاهرة عن “رؤية” للنشر، في 144 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية شهد لها النقاد بكونها من الروايات المغربية الكثيرة التي تجسد الاستغراب الروائي شكلا ومضمونا، وتتخذ من الفلسفة الوجودية إطارا لتصوير أحداثها، فالعالم “مهترئ وقديم” والقيم تعاني اختلالا واضحا، وعلى نحو ما يعرض المؤلف لثقافته وتنوع روافدها، وانفتاحه على القديم والجديد وضيقه بالعالم، فلا جديد تحت الشمس، ولا شيء تغير منذ الحكيم “إيسوب” والفيلسوف “سقراط”، لتتزيا الرواية بزي إنساني خاص، يميزها عن غيرها من الروايات، بتلاقحها مع الحضارات والثقافات، من دون أن تغادر محليتها.
يبقى أن محمد زفزاف من أهم الأدباء المغاربة المعاصرين و أحد أكثر الكتاب توزيعا في العالم العربي، ولد بسوق الأربعاء عام 1945 و توفي في 13 يوليو 2001 بالدار البيضاء، ترجمت رواياته إلى لغات عديدة، وأبرزها: حوار في ليل متأخر- المرأة والوردة- أرصفة وجدران- بيوت واطئة- قبور في الماء- الأقوى- الأفعى والبحر- الشجرة المقدسة- غجر في الغابة- بيضة الديك- محاولة عيش- ملك الجن- الثعلب الذي يظهر ويختفي- العربة.