تعد «أرواح صخرات العسل» العمل السادس للروائي السوري ممدوح عزام، بعد «معراج الموت»، «قصر المطر»، «جهات الجنوب»، «أرض الكلام»، و»نساء الخيال»؛ فضلاً عن مجموعتين قصصيتين: «نحو الماء» و»الشراع». لا تغيب عن الرواية سلسلة الخصائص التي امتاز بها عزام، من حيث الجمع في قلب مظاهر الحياة البشرية اليومية بين بساطة الواقعة من حيث الشكل والأطراف والنهايات، وعمق المضامين وتصارع دلالاتها إلى درجة الترميز المحيّر وملامسة الخرافة؛ كلّ هذا ضمن أجوائه المعتادة، التي تقتفي تواريخ جنوب سوريا عموماً، ومحافظة السويداء بشكل خاص.
هنا فقرات من الرواية:
«قال أحمد إن سلسلة الأحلام لم تعد تنفد، بينما كان نائل يقول إنها في الحقيقة خطط لا أحلام، وإن ما كان يصل إلى أحمد الشايب مجرد نتف ممزقة من افتراضات بات عابد يغذّي بها تلك الجلسات البائسة التي كانا يمضيانها في الخمارة، أو في ظلال صخرات العسل.
لم يصرخ في سهل الزرازير هذه المرة. ولهذا لم أجد صوته هناك، حين كنت أتفحص أصوات أبناء المنارة الباقية، برفقة أحمد لدي مصادري. بل أكتفى بالذهاب كل بضعة أيام، والاستماع إلى تلك السلسلة المشوقة الحبيبة على قلبه من أغنيات حامد الجميلة، التي يرافقها نشاز خالد. وكان يضحك ويهز رأسه راضياً، ويردد: «والله والله». وحين تختفي الأصوات، يقول لأحمد: «حاسس كإنّو أصواتهن عم يخلصوا!».
ما لم ينتبه إليه هو أن توقيت موته كان قد انتهى في ذلك اليوم. وقال أحمد لديّ مصادري إن عابد نسي الأمر في السنتين الأخيرتين. وقد كان هو شخصياً يظن أن تلك النبوءة قد نشأت في كنف الفقر والضيق والحصار. فوجود النبريش الدائم في المنارة، وبزوغ رؤوس أخرى تشبهه، كانا كافيين لأن يعلك الناس أعمارهم كما لو كانت ألجمة يشدها أو يرخيها وجود النبريش وزيتون. لكن النجاح الذي حققناه في العمل أطفأ سيرة الموت. وربما كان ولعهما بحليمة التي تبدلت أيضاً في تلك الفترة سبباً آخر في تجاوز تلك النبوءة المنحوسة. قال نائل الجوف إن المنارة كلها شهدت حضور المرأة من جديد».
المصدر: صحيفة القدس العربي