تشكل رواية حسونة المصباحي الجديدة “أشواك وياسمين” التي انطلق في كتابتها أثناء الثورة التونسية وأنهاها عام 2012 ولم تنشر إلا مؤخرا عن دار آفاق التونسية، مأزقا للتلقي وتضع القارئ التونسي في امتحان حقيقي.
كيف يمكن أن يقرأ نصا أدبيا يحمل قناعات ربما ضد قناعاته، هل سيحكم عليه وفق قيمته الأدبية أم وفق انتماءات صاحبه الأيديولوجية والسياسية؟ كيف يمكن لقارئ تونسي أن يتحمل قراءة رواية تروي له أنه لا جدوى لثورته وهو مازال في قلب الحلم الذي خرج من أجله حاملا رأسه بين كفيه في مواجهة أسلحة النظام؟
“عشت عزلة شبه تامة في بيتي على أطراف الحمامات ولا صلة لي بالعالم الخارجي في غالب الأحيان إلا عبر الهاتف والجرائد، أما التلفزيون فلم أكن أشغله إلا عندما أشاهد الأفلام التي أعشقها”.
هكذا تنطلق الرواية بكاتب يسكن عزلته مثل شخصية دوستوفسكي في “مذكرات قبو” أو شخصية هرمان هسه في روايته “ذئب البراري” بعيدا في الساحل التونسي زاهدا ويائسا مما يجري خارج شقته، من أحلام ثورية تونسية يقودها شباب أجبروا الرئيس على الفرار وظلوا يواصلون انتفاضتهم الشعبية لإسقاط النظام.
عزلة ومقاطعة تامة للإعلام اختارها الكاتب منذ زمن كلما جدت أحداث في الوطن العربي نتيجة يأسه من المشاريع الشعبية والثورية العربية ومحاولة منه لتهريب بهجة الحياة التي تهددها “فلاة شائكة” من الأوجاع والأحزان كلما أطلت أحداث عربية جديدة.
ويأخذ الراوي في سرد دور الإعلام منذ جمال عبد الناصر في تطبيل الجماهير وإغراقهم “في الأوهام والأباطيل التي لم يستيقظوا منها إلا عندما انهارت فجأة الجيوش العربية أمام اسرائيل في حرب الأيام الستة”.
وقد طال نقد الكاتب الإعلام العربي والمحلي على السواء في التضليل للأنظمة الحاكمة ومشاريعها، وقد خصص الراوي قسما مهما من نقده للإعلام التونسي الرسمي الذي كان خادما ذليلا للرئيس وعائلته ونظامه.
على هذا النهج، يبنى المصباحي روايته على منطق حجاجي يستند إلى التاريخ لقراءة الأحداث المعاصرة ويستشرف مستقبل الانتفاضة التونسية.