يشكل السرد العربي الفضاء الأرحب للكتابة المعاصرة والطليعية في السنوات الأخيرة، خصوصًا من خلال الروايات المطولة ومتعددة الأجزاء التي تفسح المجال واسعًا لانطلاقات التخييل وقفزات التصوير الجداري، إلى جانب ترصُّد حركة الحياة ومعطيات الواقع الراهن بأمانة واصطبار وعمق.
في هذا الإطار، اتسع مجهر الناقد الدكتور صلاح فضل في أطروحته الجديدة “أنساق التخييل الروائي” لأكثر من خمسين رواية من الأعمال المهمة الصادرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث يناقش على نحو تحليلي وتطبيقي أجواء هذه العوالم الثرية للكتاب العرب من دول وأجيال وتيارات متباينة، ومنهم الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، الذي يصفه فضل بـ”صاحب الخيال الخصب، القابض على ملح الأرض، والقادر على صوغ سبيكة الحياة في هشاشتها وتحولاتها المنظورة”.
وفق تعريف د.صلاح فضل بملامح دراسته المستفيضة، يشير في المقدمة إلى أن تجربته التطبيقية في النقد الروائي ومطارحة الأعمال الإبداعية قد تمخضت خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن رصد عدد من الأنساق، يتوافق بعضها مع الأساليب السابقة، ويختلف بعضها الآخر عنها، وهي لا تتولد مثلها من تفاعل بعض التقنيات الفنية، بقدر ما تنبثق من العامل المهيمن على العمل في محصلته.
ويعدد د.فضل أنساقا من التخييل أسفرت عنها رحلته الاستقصائية، هي: التخييل الذاتي، والجماعي، والتاريخي، والأسطوري، والبصري، والعلمي، بالإضافة إلى نوع سابع يمكن تسميته التخييل الرقمي أو الافتراضي، وهو يعتمد على عالم الواقع المعلوماتي الافتراضي، وإن ندرت النماذج الممثلة له.
انحياز د.صلاح للرواية، يفسره بأنها من وجهة نظره قد غدت قبلة الموهوبين، حيث يلوذ إليها المبدعون في سائر الفنون، كالشعر والموسيقى والتصوير والسينما وغيرها، ليصوغوا الأحداث التي مروا بها والتجارب التي لامسوها في هيئة سياقات سردية منتظمة.
وفق هذه الرؤية التي تعظّم الفعل الروائي، انطلقت بوصلة الناقد فضل إلى كتابات نخبة من الكتّاب العرب، منهم: إبراهيم أصلان، مكاوي سعيد، جمال الغيطاني، صنع الله إبراهيم، إلياس خوري، إسماعيل فهد إسماعيل، إبراهيم عبد المجيد، محمد برادة، رءوف مسعد، سلوى بكر، شكري المبخوت، عالية ممدوح، طارق بكاري، وغيرهم.
المصدر: السياسة الكويتية