انطلقت صباح أمس الإثنين، العاشر من أكتوبر الجاري، أعمال الدورة الثانية من جائزة كتارا للرواية العربية 2016، التي تستضيفها المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” للارتقاء بالرواية العربية في فضاء الثقافة والأدب والفكر، بمشاركة نخبة من الأدباء والكتاب والروائيين والناشرين العرب وتستمر ثلاثة أيام.
وعقب حفل الافتتاح الذي شهد توقيع 28 إصدارا من الروايات والكتب التي صدرت عن جائزة كتارا للرواية العربية خلال العام الجاري، بحضور الروائيين الفائزين في الدورة الأولى في فئتي الرواية غير المنشورة والرواية المنشورة، ثم قام الحضور بجولة في معرض “رحلة إبداع” للأديب الراحل نجيب محفوظ والذي احتضنته القاعة رقم واحد بالمبنى 18 بكتارا. أفتتح أيضا معرض “مقتنيات الأقلام” ومعرض “رواية الفتيان” الذي يمثل إضافة نوعية أشاد بها الحضور.
وفي فترة الظهيرة تابع الحضور جلستين حواريتين الأولى حول كتاب الرواية العربية في القرن العشرين: التأسيس والتطوير والظهور والأنماط تأليف مشترك، أدارتها الدكتورة مريم جبر من الأردن. وشارك فيها كل من الدكتور سعيد يقطين من المغرب والدكتور محمد الشحات من مصر بينما تعذر الحضور على بقية الأساتذة المشاركين في تأليف الكتاب. بينما تناولت الجلسة الثانية كتاب “الرواية القطرية.. للدكتور أحمد عبد الملك.
وقالت جبر إن هذين الكتابين يأتي إصدارهما في إطار مشروع جائزة كتارا، هذا المشروع الرائد الذي يضع الرواية العربية على محك أسئلة الفن والواقع، ويلفت اهتمام النقاد والقراء على السواء إلى كل جديد في تطور هذا النوع الأدبي الذي يبدو الأكثر حضورا وحظوة.
وحول تجربته في تأليف الكتاب قال الدكتور محمد الشحات: كان لي شرف كبير أن أسهم ولو بقدر يسير في هذا الكتاب حين كلفت بالإسهام بالكتابة النقدية في هذا الكتاب وتحديدا في الفصل الخاص بالرواية في مصر والسودان في القرن العشرين. قلت في نفسي كم أنا في مأزق كبير أن تتناول واحدة من أقدم الروايات في المنطقة العربية منذ البدايات وما يوازيها من حديث عن الرواية السودانية التي بدأت في الستينيات تقريبا حسب أغلب أقوال المؤرخين.
وقال إن الكتاب يمكن موضتعه بوصف كتابا تاريخيا نقديا لأنه معني برصد التحولات المفصلية في الرواية المصرية عبر مراحل مختلفة، وكان لابد من سؤال البدايات، لذلك كنت منشغلا بالمنهج: كيف يمكن أن أصوغ فصلا نقديا بهذا الحس البانورامي ولا يخلو هذا الحس من تناول ظواهر نقدية مهمة ومحورية ومفصلية بحيث لا يمكن أن تغفل ظاهرة ما مهمة. إنه لأمر شاق لكنه طموح. والكتاب هو إصدار أول من سلسلة إصدارات سيكون لها قدر من التنامي أفقيا ورأسيا في أغلب بلدان المنطقة العربية التي تنتج الرواية.
وأشار الشحات إلى ان التحقيق التاريخي تطلب تخليه عن وظيفته كناقد أدبي وثقافي. لذلك عنون فصوله كالتالي: الفصل الأول: بداية الرواية العربية في مصر: مراحل التطور، والفصل الثاني الرواد بين تجريبية الشكل وحداثة المضمون وتطرق فيه الى رواية زينب لمحمد حسين هيكل وبعض الظواهر قبلها، مرورا بالمازني وطه حسين وتحولات كثيرة. وقال الناقد إن هذه المرحلة تمتد من العشرينيات الى بداية الأربعينيات، مؤكدا أن نجيب محفوظ كان واحدا ممن أسسوا في المقام الأول لشكل روائي عربي يمكن أن يتم تفعيله لسنوات طويلة، وهو كاتب متحول في نظر الناقد حيث إنه لا يركن الى شكل بعينه. بعد ذلك مرحلة ما بعد الستينيات إلى مطلع الألفية الجديدة، لافتا إلى أن كتاب الثمانينيات وكتاب التسعينيات الذين أحدثوا تغيرا مختلفا وشريحة كبيرة منهم استطاعوا أن يقدموا رواية ذات شكل جمالي مختلف وهم ثقافي مختلف أيضا. ثم الفصل الخامس بعنوان نشأة الرواية في السودان ومراحل تطورها، وكان للطيب صالح أثره في الرواية السودانية، معرجا على الإشكالات التي طرحها في تحقيقه البانورامي.
بعد ذلك أحالت الدكتور مريم الكلمة للدكتور سعيد يقطين الذي اعتبر الكتاب إنجازا نوعيا، وسيكون له دور كبير في تطوير رؤيتنا الى الرواية العربية. وتحدث يقطين عن الرؤيات التي يولدها الكتاب وأول مفهوم هو التساؤل عن الرواية العربية، وطرح التساؤل التالي: هل هناك رواية مغربية، وتونسية وجزائرية.. الخ؟ هنا بدأ يتضح لي معنى آخر للرواية العربية والذي يمكن أن نعني به من خلال السيرورة التي قطعتها الراوية العربية منذ بدايتها إلى الآن أن نتحدث عن رواية لها ملامحها الخاصة والمميزة وأنها تجسد ما لا تجسده الجغرافيا الثقافية في الوطن العربي.
وعرج الدكتور يقطين على أسباب تأخر ظهور الرواية في دول المغرب العربي مقارنة بمصر، ومراحل تطور الرواية في المغرب تحديدا. وقال إن الأجيال الجديدة التي ظهرت في ما بعد الاستقلالات العربية وجدت الرواية المصرية قد تأصلت واكتملت، وبالتالي فإن كتاب الرواية في المغرب العربي هو جيل قارئ للرواية الكلاسيكية، ولكنه تكون في نطاق وعي يساري سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأدبي لذلك لن يستنسخ الرواية الرومانسية أو الكلاسيكية التي كتبت في مصر واندمج في موجات التجريب. وهذا السياق يسمح بالحديث عن رواية عربية لها ملامحها وخصوصيتها ومن بين ما تنتظره هذه الرواية هو توسيع هذا المشروع من خلال طرح أسئلة أخرى عن الرواية العربية.
في الجزء الثاني من يوم الافتتاح تابع الحضور الجلسة النقاشية الثانية التي تناولت كتاب “الرواية القطرية: قراءة في الاتجاهات” للروائي الدكتور أحمد عبد الملك وشارك فيها الإعلامي سمير حجاوي.
ولفت الدكتور عبد الملك في مستهل حديثه عن الكتاب إلى أن الرواية القطرية بدأت نسائية، ففي عام 1993 صدر لشعاع خليفة روايتها الأولى “العبور إلى الحقيقة”، وفي نفس العام أصدرت شقيقتها دلال خليفة روايتها “أسطورة الإنسان والبحيرة”، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام 2005 توقفت الإصدارات ثم جاءت روايته “أحضان المنافي”، وبعد ذلك ظهرت مريم آل سعد بروايتها “تداعي الفصول”، وعبد العزيز آل محمود بأول رواية تاريخية وهي “القرصان”.
ثم أعقبها برواية “الشراع المقدس” التي تتحدث عن الوجود البرتغالي في منطقة الخليج، ثم ظهرت رواية “كنز سازيران” لعيسى عبد الله ، وبعد ذلك جاءت رواية الكاتب جمال فايز “زبد الطين” لتشكل معنى العلاقة مع الأخرى. وأفاد الدكتور عبد الملك أن الكتاب يمثل قراءة في تجارب قطرية، ويجيب الكتاب عن الأسئلة التالية: ماهي الرواية القطرية؟ وما هي اتجاهاتها؟ باحثا في 23 عملا صنف منها 23 عملا تستحق أن تكون في لائحة انطباق الخصائص السردية على هذه الأعمال.
عقب ذلك قدم سمير حجاوي قراءة في الكتاب نيابة عن الدكتور أنطوان طمعة، واستعرضت الورقة النتائج الإيجابية التي حققتها الدراسة التأسيسية من حيث المنهجية والموضوعات، والحدود التي وقفت عندها والثغرات التي تخللتها، والعلاقة بين الإنتاج الروائي من جهة والإنتاج النقدي الإبداعي من جهة أخرى، وأهمية المواءمة بين الإبداع في مسار نمو الرواية القطرية وتطورها.
وفي ختام الجلستين فتح باب النقاش حيث طرح الحضور تساؤلات وطروحات خرجت في مجملها عن سياق المحورين اللذين تم طرحهما في الجلستين إلى سياقات أشمل وهي الرواية العربية بين الخصوصية والشمولية.
المصدر: جريدة “الشرق” القطرية