اصدر الكاتب “جبور الدويهي” روايته الجديدة بعنوان “حي الأمريكان”، تعتبر الرواية ثالث ابرز اصداراته بعد روايتي “مطر حزيران” و”شريد المنازل”.
يجسّد الكاتب في الرواية الواقع العربي سياسيا واجتماعيا عبر قراءة واقع طرابلس اللبنانية تخييليا، وتقديمها إلى القارئ في وصلة سردية درامية مختزلة تشهد على ما يقارب قرنا من الزمن، مرتكزا في ذلك على تصوير التجارب الإنسانية الصعبة والمنعطفات الحاسمة في تاريخ لبنان عبر بوابة مدينة اسمها “طرابلس”، وحيّ اسمه “حي الأميركان”!
تسلط الرواية الضوء على وضع العالم العربي من نكزقات وصراعات دامية، وانتكاسات اجتماعية وسياسية يكون دوما ضحييتها الكبرى الإنسان وقيمه. تتجه الرواية إلى حي الأميركان بعينه، لكنها تجعله نموذجا فحسب لتعرّي من خلاله الواقع العربي الدرامي الذي قادته السياسة العمياء التي تقودها الأيدولوجيا المتحجرة والمطامح الانتفاعية نحو الهاوية. وهي تنطلق من الزمن الحالي الذي تحركه شخصيات من قاع الحي وباقي الأحياء المجاورة، في فضاء يبدأ ضيقا ثم ينفتح بالتدريج ليصل باريس، فتصل رائحة فساد وضعه إلى كل العالم.
“يخلص المتن الروائي إلى أن الأيدولوجيا العمياء المستحكمة في التيارات والاتجاهات السياسية، والمتطلعة إلى تسخير الناس بكل الأطياف لخدمتها، هي ما أدى إلى وصول العالم العربي إلى هذا المأزق والباب المسدود”
ويبيّن الدويهي في هذا المتخيل الروائي أن الأزمة المتعددة التي انفجرت في وجه العالم العربي، الآن وهنا، من صراعات وتناحرات وصراع طبقي، واستئصال الإنسان، وتحقير لقيمه الوجودية التي ناضلت الإنسانية من أجل ترسيخها عبر القرون، لم تكن وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل لقد تخمّرت عبر الزمن، وهيّأتْ لها الأوضاع السياسية والاجتماعية المتراكمة، إذ يقتفي السارد أثر هذه الخيبات، مستجليا خيوطها من ذاكرة الشخصيات الجريحة، وماضيهم القاسي الحافل بالاندحارات الاجتماعية والفشل السياسي، عبر تقنية “الفلاش باك” والتداعيات والاسترجاعات.
وتسعى الرواية عبر نقد الواقع السياسي المحبط إلى تشريح ما وصل إليه الوضع من دموية ودرامية جراء العمى الأيدولوجي الذي تأجج مع ظهور التطرف الديني، وما رافق ذلك من تحول على مستوى البنى الاجتماعية، وتصاعد في درجة التناحر الطائفي والمذهبي الذي تنامت معه عاصفة الاقتتال والتصفية، وحرق الأخضر واليابس، فتموت المدينة بموت القيم الحاضنة للجمال والتعايش ومحبة الحياة.
يقول الراوي إن “المدينة ميتة، تستيقظ متأخرة وتتحول إلى مدينة أشباح بعد الثامنة ليلا (…) سيطر المتطرفون على المساجد وطردوا منها الخطباء الذين يحجمون عن الدعوة إلى الجهاد كيفما اتفق، ينقبون نساءهم بالأسود، يكفرون ويحرمون، هددوا المزينين النسائيين ومنعوا الأطباء الرجال من معاينة النساء..”.