في الصفحة قبل الأخيرة من روايته «سجين المرايا» يشير الكويتي سعود السنعوسي إلى المكان الذي أرسل منه عبد العزيز- بطل الرواية والسارد الوحيد لها – رسالته الأخيرة إلى من يهمه الأمر، الموسومة بالعنوان «عبر البريد» إلى بيت الزنبق على أنه الموقع الذي أرسِلتْ منه. وبيت الزنبق هذا هو- في الواقع – محل صغير لبيع الأزهار، ونباتات الزينة، ملحقة به حديقة صغيرة لرجل عجوز في إحدى ضواحي لندن. تتعلق هذه التسمية بحكاية طويلة، فعبد العزيز، الذي كان في التاسعة من عمره عندما اجتاح العراقيون الكويت، فقد أباه في الأثناء، وفقد بعد ذلك أمه، ثم جده بابا إبراهيم. واستولى خاله على ميراث العائلة، وبلغ العشرين من عمره وهو كثير الحزن والأسى على أمه بدرجة أكبر من غيرها، وعاش بسبب تلك الكوارث، التي مر بها، خجولا، منطويًا، ضعيف الشخصية، لا سيما أمام الجنْس الآخر. ووقع بصره، ذات ليلة، على هاتف محمول نسيه أحد الحضور على مقعد في صالة السينما، فأخذه، وهو يعتزم تسليمه لأحد الموظفين الذين كانوا قد غادروا السينما إلى بيوتهم، فحاول تسليمه للشرطة الذين نصحوه بالاحتفاظ به ريثما يتصل صاحبه.
كان الهاتفُ من تلك الأجهزة ذات اللون الوردي الأنيق، الذي لا يليق إلا بالجنس اللطيف، وكان ما توقَّعه، فقد اتصلتْ به إحداهنَّ (ريم) واتفقا على إحضار الهاتف لمنزل الفتاة. عرف بعد زيارته للمنزل، وتسليم الجهاز لوالد الفتاة، أنها ريم ابنة سلطان سيف أحد قادة المقاومة، وأحد الأشخاص الذين شهدوا مقتل داود عبد العزيز، والد الفتى. وتوثقت عرى العلاقة بين الاثنين؛ ريم وعبد العزيز، ليكتشف أنها تحبُّ الإنكليزية، وتبعث أكثر رسائلها القصيرة بها، ومن شدة تعلقه بالفتاة قرَّر الذهاب إلى بريطانيا لتعلم الإنكليزية في كلية متخصصة بتدريسها للأجانب. فاجتمع له في هذه الرحلة التعليمية ـ إذا جاز التعبير- الكثير من التجارب، والخبرات، وتفتَّحتْ عيناه على أسرار كانت خفيَّة عليْه في ما مضى.
سجين المرايا إذن، على الرغم من أن بداياتها توحي بانغلاق البطل، فقد انتهت نهاية أخرى، إذ اكتشف كم كان مخدوعًا، وكم كان عليه أن يغيّر من نظرته للأنا أولا، وثانيًا للآخر.
المصدر: القدس العربي