تشكل الرواية قدرة على التعبير عن متغيرات المجتمع الإنساني المليء بالأسئلة والأحداث وشتات الواقع وتشظيه، وما يحمله من خطابات جدلية شغلت كثيراً من الدارسين الذين حاولوا مناقشة صوره وعلاماته ومادته الحكائية بألوان من التأويل الدلالي الذي يعكس مرايا التحوّل الاجتماعي أو السياسي، ورياح التغيير التي تهب من جوانب شتّى على النص ومبدعه معاً، مستفيدين من إنجازات البنيوية والألسنية والسيميائية في تحليل النص والخطاب وممارساته التي تركز على سيميائية السياق في تشكيل المعنى، لا بوصفه نصاً منغلقاً لحكاية تُروى عن مشكلة أو قضية محددة، بل بوصفه بنية ثقافية واجتماعية وتاريخية، ونظاماً من العلامات التي يمكن ترجمتها بشكل لا نهائي من الدلالات التي ظللت حالاته الإبداعية ورؤاه.
ويؤكد د. زين الدين الشيخ في كتابه “التشكيل الفضائي في الرواية العربية .. رقصة الجديلة والنهر لوفاء عبدالرزاق أنموذجا” أن الكتابة الروائية تتضمن في مساحتها النصية كثيراً من الأيديولوجيات التي تتجلى على لسان الراوي أو شخصياته في تفاعلها مع الحدث وزمكانيته، وتنفتح على كثير من الثنائيات القائمة بين النسبي والمطلق، والحاضر والغائب، والمادي والمعنوي، وغيرها من صور التفاعل بين الإنسان والوجود وأنساقه الثقافية وخطاباته الأيديولوجية، التي تكشف أن الإنتاج الروائي – على هذا النحو – ليس منتجاً فردياً تمخض عن وعي المبدع وحسب، بل يعد نتاجاً جمعياً للوعي المجتمعي الذي طاف به المبدع وانصهر به.
ومن وجهة نظر المؤلف أن مأساة الإنسان العربي المعاصر عامة، والإنسان العراقي خاصة وقلقه الدائم من الموت والقهر والرعب، كانت مدعاة إصرار المبدع على الحياة ومواجهة جورها وإرهاب بعض أهلها وظلمهم وانحرافهم السلوكي وألوان خزيهم بالإبداع والوعي الجمعي وجهاً لوجه من مشكلات هذه الحياة وقضاياها. وكانت المبدعة العراقية وفاء عبدالرازق من بين هؤلاء المبدعين الذين شغلتهم المأساة العربية العراقية بين فوضى الإرهاب والدمار؛ إذ إن المتابع إصدارات وفاء يراها تحاول – جاهدة – أن تمثل ما حولها من وقائع وحشية مع نصوص الفن وتجلياته الإبداعية – رواية وقصة وشعراً – للكشف والإدانة والمعالجة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
المصدر: ميدل إيست أونلاين