إنها رواية مُجرمين، كل واحد من شخوصها ارتكب جرماً، أو نصف جرم، أو تواطأ في وقوع خطيئة، أو كان شاهداً عليها، ثم توارى خلف الصمت. هي رواية غضب وانتفاض، نشعر كما لو أننا جزء منها، أو على الأقل نعرف شخوصها، أو صادفناهم في حياة سابقة، يتمثلون أمامنا، ويؤدون أدوارهم، كما لو أنهم ولدوا ليعيشوا سادية القتل. نشعر كما لو أن صاحبها كتبها في لحظة غضب، وهو يستعيد ماضيه وماضي جيل لا يؤمن بالحلم، كتبها وهو يشعر بأن نهايته قد اقتربت، لذلك سارع في تصفية حساباته مع أبطال الرواية، ورطهم في ما لا يستطيعون تحمله، وضعهم في مقابلة بعضهم بعضاً، انتقم منهم، واحداً تلو الآخر، ثم انصرف إلى زاوية بعيدة، يتفرج عليهم، وهم يتبادلون التهم ومشاعر الذل والخذلان.
في رواية «الجثة المتحركة» لسماعيل محمد، تتراءى الجزائر كما عرفناها، في السنوات الأخيرة، بلد هش، يقف على أرض غير مستقرة، تحكمه المصالح وجماعات الظل، ويتصارع فيه طرفان، طرف أول مرئي، يتحرك في النور، يُجاهر بالمعارضة والرغبة في التغيير، وطرف ثانٍ نسمع عنه ولا نراه، يدعي الدفاع عن الوطن وقيم ثورة التحرير.
يدخلان في حرب استنزاف نفسية، يتراشقان التهم، ويقف موسى ـ بطل الرواية ـ بينهما. لا شيء، في البداية، يوحي بأن موسى سيلعب دوراً في الحراك الشعبي، الذي يتهيأ له البلد. «ولد موسى في قرية وعاش فيها قرابة العشر سنوات، فرأى في سادس سنوات عمره جسد أبيه وهو يفصل عن رأسه، ورأى جثة أمه أشلاء جمعها بيديه المرتجفتين، ودفنها». سيقضي سنوات من عمره، بين قريته، في جنوب البلد، ثم في وهران، وأخيراً في الجزائر العاصمة. في هذا التنقل بين مثلث مُتباعد الأضلع، يُبصر القارئ شيئاً من جغرافيا الجزائر، وتناقضاتها، فالانتقال بين هذه الأطراف الثلاثة، رغم أنها تنتمي لبلد واحد، فهي تُشبه الانتقال من بلد لآخر، لا شيء مُتشابه بينها، والفوارق توسع المسافات عنها. موسى، الذي كبر في العشرية السوداء، وشاهد والديه وهما يُقتلان أمامه، سيتخرج من الجامعة، غداة الربيع العربي، وتلتحق الجزائر بالأحداث، باحتشام، في فترة لم يكن يؤمن فيها بالسياسة ولا النضال، لكنه سيلتقي شيزا، مدرسة في جامعة وهران، تدفعه إلى الانخراط في ما خفي عنه. شيزا ستعلمه الحب، وطرائق اكتشاف اللــــذة، ستفتح عينيه على أشــــياء أخرى غير الندم على طفولـــته، التي لم يعشها، تُحاول مداواته لينسى موت والديه، تُعيد عجنه، ثم ترسله، في غفلة منه، إلى الجزائر العاصمة، هناك يستلمه عميد الجامعة كمواطن صالح، برتبة أستاذ، ويوكل إليه المهمة، التي ستغير حياته، بأن يصير مُخبراً، ويتعقب تحركات أستاذ مناضل يُدعى يعقوبي.
المصدر: القدس العربي