نظم ملتقى إربد الثقافي، محاضرة بعنوان “الرواية العربية وقضايا المجتمع” وقف فيها الناقد د. موسى ربابعة، عند عمل روائي واحد، هو رواية “الورد لك الشوك لي” للروائي الكويتي سليمان الشطي، في ضوء سيمياء العمل والسيمياء الاجتماعية، مستدرجاً الأبعاد الكامنة في نسيج هذا العمل الروائي الذي يجسد الحفر في سوسيولوجيا المجتمع الذي يعيش تناقضات وتفاعلات معقدة ومركبة إلى حد بعيد.
ولفت النظر في المحاضر التي أقيمت بالتعاون مع ملتقى المرأة ومنتدى عنجرة الثقافي، وأدار مفرداتها القاص د. حسين العمري، إلى أن ثمة ثنائيات تجلت في هذا العمل الروائي مثل: المقدس والمدنس، والثقافي والاجتماعي، والتحرر والتخلف، والانغلاق والانفتاح، والتقليد والتجديد، والحي والمدينة، والجهل والعلم، والظلام والنور، والذكورة والأنوثة، والسلطة والثقافة، والواقع والحلم، وغيرها من الثنائيات التي تجسد عذابات الشخصيات التي تحاول أن تحقق ذاتها في رسم صورة حالمة للمستقبل، معتبراً أن الذات تعيش حالة من الصدام بين الرغبة وإرادة الفعل، وبين الحواجز التي شكلتها السلطات المختلفة، مثل: سلطة المجتمع وسلطة المرجعيات الدينية وسلطة الثقافة.
وتناول ربابعة شاغل كرسي عرار للدراسات في جامعة اليرموك، السيمياء بطرائقها المختلفة لمقاربة العمل، حيث تناول بالتحليل والقراءة: سيمياء العنوان، العنوان الذي يجسد كما يرى أهمية جوهرية في الكشف عن رؤية العمل الأدبي، مشيرا إلى أن العنوان « نص قصير ومكثف وموجز»، لافتا إلى أن الرواية تألفت من عنوان رئيس، واحتوت فصولها على عشرة عناوين، معتبرا أن العنوان هو المحور الذي يتولد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه.
كما عرض لفصول الرواية والتي جاءت على النحو التالي: « أحلم بالعدل لا أشكو، عندما تجلس حول النار لا تستبعد الاحتراق، الحياة ذهول مستمر، بخار القدر علمنا متى نرفع الغطاء، كنت ميتة فتم ضبطي بالحياة، ولا نبحث عن السعادة يكفينا أن ننجو من الألم، أشرعتي ممزقة فدع الريح تبحر بي، سأفضي لك بسر، الاستسلام أفضل فضيلة للمرأة، لا ننسى لكننا نسامح»، مؤكدا بهذا السياق أن إغفال العنوان الرئيس وعنوانات الفصول يجعل القراءة بعيدة عن الإمساك برؤية النص.
وعاين شعارات التخلف، مشيرا في قراءته لهذه السيميائية إلى العبارات التي تفصح عن المرارة التي تخيم على حركيتها ورؤيتها بشكل محوري، والعبارات كثيرة كما يرى، ولكن الاقتصار على بعضها كفيل بتجسيد أنماط التخلف والقهر والكشف عن سيكولوجية المجتمع، معتبرا أن العبارات التي جاءت على ألسنة الشخصيات تمثل إدانة حقيقية للواقع في تخلفه على مستويات متعددة، ومن هذه العبارات الكثيرة: « اقتنعت الان أن أنجوَ بجلدي، عمك طلبك لابنه، رفسني على بطني، ألا تحلمون في بلدكم الآباء يفكرون عن الأبناء، وأنت إذا طلعت من المطبخ ذهبت فايدتك، وغيرها من العبارات التي تدين الواقع..
ورأى في قراءته لسيمياء المكان إمكانية استنباط الدلالات السيميائية للمكان عبر تموقعها في النص الروائي، فثمة أماكن ترسم دائرة الانغلاق مثل: المحكمة، البيت، الغرفة، المطبخ، المقبرة، وأخرى تشكل دائرة الانفتاح والشعور بامتلاك الذات مثل: القاهرة، بيروت، أميركا، السينما، والمقهى.
واعتبر في تحليله لسيمياء الزمن، بأن تقنية الزمن في الرواية يقوم على تقنيات مهمة منها: الاستباق والاسترجاع والقطع وغيرها من التقنيات التي تجعل الزمن يسير في خط أفقي، مؤكدا أن تراجيدية الرواية يمكن أن تتجسد في الإشارات إلى الزمن وخاصة الزمن النفسي، وهذا كما يرى أثقل وطأة على المرء من الزمن الفيزيائي، معتبرا أن الزمن النفسي يسهم في تعزيز البعد التراجيدي الذي يهيمن على الوجود الإنساني.
وقال بأن سيمياء الأشياء هنا يقصد منها ما يمكن أن يلتقط في الرواية لترسيخ سيمياء التخلف، التي تعمقت بوساطة الأغلال التي فرضتها سلطات متعددة منها: الاجتماعي والثقافي والديني وغيرها من السلطات، ويمكن الحديث هنا كما يرى عن بعض الإشارات، وأهمها ما يمكن أن يسمى بسيميائية الجسد الذي انتهك واخترق عبر ممارسات عنجهية لا تحترم عقل الإنسان أو عاطفته.
وخلص د. ربابعة في المحاضرة التي أعقبها حوار معمق، إلى أن الرواية شكلت لحظات صادمة ومؤلمة للشخصيات التي ظلت تحلم بالتغيير، لكنها لم تستطع أن تنقذ نفسها من سجون التقليد، فصار الواقع عبارة عن تراجيديا تنهض فيه الشخصيات بأدوار ترسخ السمة الطاغية والمهيمنة.
المصدر: صحيفة الرأي الأردنية