إذا كانت الرواية التقليدية تقوم على مجموعة من التقنيات والعناصر والخصائص، كالزمان والمكان والشخصية والحدث والحبكة واللغة، وتمتاز بربط الأحداث بشكل منطقي، مع المحافظة على الحبكة بمفهومها التقليدي، فإنَّ الروائي المغربي مصطفى لغتيري يقدم في عمله الجديد قدرة هائلة على تجاوز هذا التصور التقليدي للرواية، وإبداع شخصيات روائية حية، يطلقها في الفضاء الروائي لتعيش قصتها حرة، وبدون قيود، بمعزل عن الروائي الذي أبدعها، وتلك ميزة لا يتصف بها إلا القلة من الروائيين.
في روايته الجديدة «أحلام المسيسبي على ضفاف سبو»، يقتحم الروائي تجربة جديدة، يناقش فيها أحداث العالم المختلفة، من وجهة نظر مغايرة، قلما نصادف لها مثيلا، مازجا في روايته التاريخ الواقعي بالأسطوري، محاولا تفسير منبع العنف والحروب في العالم، كان لافتا أيضا الزَّمن الطويل في الرواية، الذي يبدأ من بداية الخليقة ويستمر حتى ما بعد أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية.
تتعدد الأصوات في هذه الرواية، لتعبر الشخصيات المختلفة والمتعددة، كل منها على حدة عن مكنوناتها وما يختلج في نفسها من هموم وأحلام ومكائد ومكر. ويمكن القول إن هناك ثلاثة أصوات رئيسية هي: الفتاة الأمريكية جانيت، وجدّها الحاضر بقوة حتى بعد موته من خلال مذكراته، المجند كلارك كلاوي، ثم الكائن العجائبي «الحربوش» إبليس الذي يسافر في كل مكان محدثًا الحروب والمجازر؛ لأنَّه لا يقتات إلا على الدماء، مستعرضا بذلك غزواته عبر التاريخ الإنساني الطويل.
إنها رواية متشعبة، رواية الحب والحرب، والبحث عن الجذور، فجانيت الفتاة الشابة بعد أحداث سبتمبر يشدها العمل التطوعي لمساعدة الضحايا، وهي الفتاة التي لم تكن تهتم إلا بنفسها، ومن خلال تطوعها يأخذنا الكاتب عبر حديثها عن تجاربها في التطوع، وعن زملائها الذين لديهم أفكار مسبقة حول العرب والمسلمين، بأنهم جهلة وقتلة وإرهابيون.