من يقرأ رواية “الأرملة السوداء”، يتّيقن بأن الروائي صبحي فحماوي، قام بجهد تشخيصي لواقع الحياة المعاصرة بكل تجلياتها في مدينة عمان، ففي أكثر من موقف، نلمح الرؤية الاستشرافية التي تُحدد مكامن الضعف، وتبحث عن الحلول المناسبة، وقد جاء السرد الروائي هنا ممنهجاً بمجموعة أفكار سردية هادفة، اعتمدت في مجملها على دقة الوصف وطابع السخرية.
صدرت رواية “الأرملة السوداء” في مطلع العام 2011، وفي ذلك الحين احتفل أصدقاء صبحي فحماوي في مدينة القاهرة بإشهار هذه الرواية، يومها، قال الناقد الدكتور مدحت الجيار: “جاءت هذه الرواية مُعززة باختيارات سردية، وُظفت في المكان المناسب لتعطي نتاجا ًيُقدّم صورة مؤثرة، وهي تبحث في تجليات العلاقات الإنسانية والفكرية والتبادلية بين الرجل والمرأة، وقد استندت على ذائقة حكائية، وأبرزت دور السلطة الناعمة للمرأة من خلال حكي متواصل، يُمتع القارئ ويجعله يُتابع القراءة دون توقف ومن دون ملل”.
تميّزت رواية “الأرملة السوداء” بأسلوب السرد الساخر، واستلهام روح ألف ليلة وليلة للبناء عليها، وجسدت طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة (شهريار وشهرزاد) وبمنهجية تُشخص الحال، وتخلو من مبدأ الانحياز لأي طرف على حساب الطرف الآخر، مع التركيز على إثارة جوانب “الوعي الإنساني”، الذي يُعزز أهمية العلاقة التكاملية بين الطرفين.
وفي وصفه لجانب من معاناة أبناء الشعب الفلسطيني، الذين تشردوا وهُجروا من أراضيهم، يقول صبحي فحماوي: الرياح العاتية تصفُق صفيح بيوت جبل النظيف، فيتناثر فتاته حول حجارة المقبرة، وكانت شواهدها تنبت في البيوت الصفيحية التي رماها حظها العاثر بين القبور، بعد أن عصفت بها رياح النكبة الفلسطينية، فتناثرت قطعاً مُفتّتة في كل أرجاء الكرة الأرضية.
ومن بين القبور يشاهِد الأطفال المتصائحون قمة جبل آخر، يقف متعالياً في المجرة الفضائية، التي درسوها في المدرسة، فقالوا إنه كوكب المريخ، واختلفوا فيما بينهم، وأخيراً صمتوا في مواجهة رجل كبير يمر في الزحام، وهو يقول لهم: لا مانع أن نسميه جبل المريخ، ومن يومها سُمي بهذا الاسم، فركب جبل المريخ فوق جبل النظيف، وبقي جبل الإشرفية المغرور بأناقته راكباً فوق الجميع!
المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين