جمعت الروائية العمانية جوخة الحارثي، وبرؤية نافذة، جُلّ التحولات الاجتماعية، ليس فقط في المجتمع العماني، بل وفي مناطق مشابهة في العادات والأعراف في المنطقة العربية، طوال القرن الماضي، وذلك في رواية ”سيدات القمر“ الصادرة عن دار الآداب للنشر والتوزيع.
تتناول الرواية عدة شخصيات لا تشابه بينها ولا ترابط في العلاقات. هن نساء لا أكثر، ولكل امرأة ما يجول في ذهنها، وما يحبس هذا الذهن ويهشمه. هن شخصيات عادية لربما، لكن الغوص في التفاصيل البسيطة، الذي قامت به الروائية، جعل للأحداث البسيطة صوتًا ما أن يسمعه المرء حتى يستشعر بأنه يعرفه من قبل. إنها الوجوه المنتشرة في صلب المجتمع العربي تمارس دورة حياتها مثلما يدور الترس في الآلة، لكن مهمة الأدب تظهر في رصد كافة حركات هذا الترس، وتوقفاته، وتلفه.
وتلتقط الكاتبة أبخرة معادلة مستمرة في التغيير الاجتماعي، ما بين عقلية تشد المجتمع إلى البقاء في الماضي، وأخرى تحاول أن تساير حركة الحياة التلقائية كنهج انفتاحي على الحياة. وتم ذلك لجوخة الحارثي من خلال الغوص في العمق الإنساني ولمس مادة الألم فيه، متطرقة لعدة ”كاريزمات“ تشعر أخيرًا بأن ما تجتمع عليه هذه الثيمات تمامًا هو ”الخيبة“.
يمكننا الحديث عن امتلاك جوخة الحارثي للغة تشبه ”الطوب المصفف“، فذلك البناء اللغوي المتقن ينم عن مقدرة في الإمساك بتراكيب اللغة، وتقديمها بأسلوب لا يتعثر.
كما أن هنالك تميزًا للكاتبة في شكلانية العرض. فلم تكن الفصول أطول مما يجب، بل كانت الحارثي تتبع لكنة الإنتاج السينمائي في العرض السردي، حينما اتبعت نظام المشاهد القصيرة، تلك التي ما إن جمعتها، تلحظ بأن لها شاشة عملاقة تعرض تلك الأشكال المتنوعة من الدراما في نفس الوقت. حتى في تقنية السرد، فقد كانت تلك الخفة المطلوبة في تناقل العقل بين الأحداث، على الرغم من كثرة الشخصيات التي تناولتها الرواية، إلا أن مهارة التمهيد لكل شخصية ساهمت في عدم إحداث نشاز أثناء دمج كل وجه في العراك السردي.
أما عن تلك الرمزية التي حملها اسم ”سيدات القمر“، فالقمر هو الصفة التي ألصقتها الكاتبة بالمرأة، لما يحمله من جمالية في الذهن الاجتماعي العربي، وكتجريب في نحت أغواره، لنكتشف بأن الضوء المنعكس عليه ما هو إلا جليد، بمجرد ذوبانه، سنرى كم الإعتام الذي يحمله ذلك القمر في تكوينه، كإسقاط على ما تكتنزه المرأة.
ومما ميز العمل الروائي هنا، تعدد الأصوات المكانية، وبالتالي الحديث عن ثقافات مختلفة زادت من مساحة العرض والتخييل بين الأفكار. وإن ما تم تقديمه من خلط بين التاريخ والرواية يعزز من قيمة السرد الأدبي في نقل واقعية التاريخ بشكل يضمن وصوله للمتلقي، بأدوات تخلو من صلابة لغة المؤرخ.
المصدر: موقع إرم نيوز