رغم الحمولة السياسية الثقيلة في رواية «دمية النار»، للكاتب الجزائري بشير مفتي، الصادرة عن «العربية للعلوم ناشرون»، و«منشورات الاختلاف»، إلا أن المؤلف أفلح في تمرير عوالم الرواية عبر تقنيات سرد بديعة، ولغة تنفذ إلى أعماق الشعور الإنساني، إضافة إلى حس الالتقاط العالي في تناول وتحليل الجوانب النفسية لأبطال العمل، وقوة الوصف الذي يجعل القارئ في حالة ملاحقة للأحداث.
وتتناول الرواية في قصتها نوعية من البشر يبرزون في البدء كمناضلين وأصحاب مبادئ وقيم؛ إلا أنهم سرعان ما يسقطون فيتحولون إلى باحثين عن الثروة ومنسجمين مع الواقع الجديد، ليصبحوا مجرد سماسرة مبادئ يتلاعبون بالكلمات والجمل الثورية لمصالحهم الخاصة.
ويحكي العمل عن البطل «رضا شاويش»، الثوري صاحب المبادئ، الرومانسي المتمرد الحالم، والذي يتنازل عن مبادئه الثورية، بعد أن أصبح مجرد «دمية نار»، في يد السلطة تحركه كما تشاء. يلجأ بطل الرواية إلى كتابة سيرته في مخطوطات تحكي عن سيرة حياته وتحولاته، وأهم المحطات التي توقف عندها، تلك التي تتحدث عن والده الذي كان يعمل سجاناً يقسو على زوجته، ويحاول رضا ألا يسلك طريق والده وأن يستفيد من دروس طفولته، لكنه في النهاية يصبح صورة عن أبيه، غير أنه يوجه قسوته إلى المجتمع كله.
احتشدت الرواية بالقسوة وعوالم الشر، وأطلت على المناطق المظلمة في أعماق الإنسان، وقدمت نقداً للسياسة وما تفعله في حياة الأشخاص، وللمثقفين في تحولاتهم وتبديلهم لمواقفهم.
وجد العمل تجاوباً كبيراً في المواقع القرائية، وأشاد معظم القراء بأسلوب الكاتب وأدواته السردية، والفكرة العميقة في العمل، ويقول أحدهم: «رغم الأحداث الموجعة في الرواية؛ إلا أنها محتشدة بالأفكار العميقة، وبالجمل الحكيمة التي تجبرك على أن تتوقف عندها وتفكر في معانيها»، وتوقف آخر عند طريقة السرد التي تعتمد على الإثارة فيقول: «يتضمن العمل الكثير من المشاهد والصور، ويتبع الكاتب طريقة في الحكي تجعلك تقلب الصفحات على عجل لأجل متابعة القصة والأحداث المتلاحقة»، ويقول ثالث: «برع الكاتب في مسألة البناء الدرامي، والانتقال من مشهد إلى آخر بطريقة ساحرة، إضافة إلى الوصف الذي جاء بلغة شاعرية»، وتناولت قارئة الحمولة السياسية في القصة، وهي تحمل مرحلة ما بعد الثورة الجزائرية، ولكنها بالطبع تنطبق على الكثير من المجتمعات التي تحدث فيها تحولات كبيرة».
فيما يتوقف أحد القراء عند تكنيك السرد، خيث الرواي يفسح المجال للبطل ليحكي عن نفسه، فهي أشبه بالسيرة الذاتية، وصوت الراوي هو مجرد مقدمة لسيرة البطل»، ويتناول آخر ملامسة الأحداث للواقع ببعض التضخيم.
وعلى الرغم من شبه الإجماع الذي وجدته الرواية؛ إلا أن البعض أخذ على الكاتب مسألة الاستغراق في السوداوية وتضخيم الوقائع.
المصدر: صجيفة الخليج