غاب الحضور، وحضر الغائب، فانهمرت الحكايا كأول الغيث، لتفوح رائحة السرد وتكشف سرّ فجيعة الحضور.
هو الغياب إذاً، حين يجمع الأهل والأحبة في تأبين الجمال، جمال ناجي الذي غادر عمان مسرعاً إلى حيث فضاءات أكثر رحابة، لم يرفع يده للوداع ليحضر ليلة تأبينه بكامل وهجه، بكامل بهاء وطغيان سرده، مبتسماً خلف صقيع ثلوج ليلته الأخيرة التي توارى خلفها.
في حفل تأبين الروائي العربي جمال ناجي الذي أقيم في المركز الثقافي الملكي تحت رعاية وزيرة الثقافة بسمة النسور، وإداره الفنان زهير النوباني، حضر أصدقاء ومريدو وقراء الفقيد، وحضر طيف جمال ناجي من خلال عديد الكلمات التي ألقاها المتحدثون، وحضرت مناقب الفقيد الإبداعية والنقابية والإنسانية، ليظهر الحفل باذخاً بمرادفات الوفاء والتكريم والتقدير لتجربة إبداعية حازت التقدير المحلي والعربي، وحصلت على الجوائز والتكريمات على الصعد كافة.
في ليلة الوفاء التي نظمتها وزارة الثقافة، ورابطة الكتاب الأردنيين والمركز الثقافي العربي، أكدت وزيرة الثقافة على جذرية جمال ناجي في المشهد الإبداعي الأردني والعربي، وأن ناجي لم يكن مبدعاً عابراً، بل امتلك وعياً عميقاً بالحياة ومعاركها المتصلة، من خلال الاتكاء المعرفي والوجداني على الجذور والهوية، لرسم معالم المدنية والمؤسساتية وديمقراطية الحوار، ولم يمارس في ذلك التنظير، أو الخواء الحكائي، ولم يتعالى مكابراً بذريعة التفوق، بل كان يجسّد أفكاره النضالية في مجمل أعماله الروائية والقصصية، كما في ليلة الريش وعندما تشيخ الذئاب، وبلغة موحية وسرد متصل بشرايين الدفق، والنبض، والتجارب الحياتية التي تمده بضوء خفي.
وأشارت النسور إلى الدور المهم الذي لعبه ناجي في وزارة الثقافة على مدار الحلم والحنين، في العديد من لجانها العاملة، وقد ترأس فيها تحرير مجلة أفكار، ليعمل بجد وإخلاص نحو إطلاقها في فضاء حر، بالعمل الصبور مع هيئة تحريرها لترسيخ الإبداع العالي والمضي نحو الدولة المدنية، التي تُعلي من شأن الإنسان وتحقق العدالة والمساواة، وتناهض التطرف وأحادية الرأي، وظلاميات التفكير.
وأضافت النسور أن ناجي كان نقابياً عتيقاً، منافحاً عن حقوق المثقفين، مؤسسا لحالة إبداعية أصيلة، في كل ما تقلد من مناصب، وبالأخص حينما ترأس رابطة الكتاب الأردنيين لدورات عديدة، استطاع حينها أن يرسخ الفعل النقابي كحالة من الديمومة والنشاط الذي يفتح النوافذ على الحرية والجمال.