اختار الكاتب المغربي حسن أوريد السَّرد الروائي ليقدم من خلاله ذكريات حاكم يحتضر، وليضعنا على مفردات حياة أهم حكام الأندلس الحكم بن عبدالرحمن الناصر (915 ــ 976 م) ممن حكموا قرطبة، في روايته الجديدة “ربيع قرطبة”. وقد تناول بطله في سرد مباشر ليرينا ما يعيشه أمراء ذلك العصر، ابتداء من الولادة ومرحلة الطفولة، والمراهقة وخلال فترة الشباب بعد توليه ولاية العهد. وعمل الروائي على شقين في شخصية الناصر: الإنسان العادي الذي يؤلمه ما يؤلم الناس، والشق الآخر، الخليفة الذي لا تهمه إلا هيبته، وبقاء أمره في أولاده، كما جاءت إليه من أبيه وجده.
امتاز السَّرد بتداخل تيار الوعي للأبطال، مع تداعيهم، وحواراتهم اليومية من خلال ما يعيشه الناصر من أحداث. فهو يبدأ بالطلب من جوذر أحد مرافقيه، وكان الخليفة قد أصيب بالفالج، ودنت نهايته: أن يسوِّي له الفراش ليرى جبل الفردوس، وليتنسم نسمات قرطبة الباردة، وأن يزيح عنه الأغطية الثقيلة.
استخدم الروائي قاموسا لغويا يمت لذلك العصر، فنقرأ كلمات وأفعالا لم نسمع بها، كتسميات: الزاملة أي البغلة القوية، والغيضة أي الأجمة، والبيضة وتعني الخوذة، والذُّحل أي الحقد المستتر والعشرات من الكلمات الأخرى، التي استخدمت في الموروث العربي في القرن التاسع الميلادي. ليعطي سرده واقعية تقرب شخصياته من القارئ، وتجعله يرى ما تراه ويسمع ما تسمعه.
ولم يكتف بالقاموس اللغوي القديم بل ووضع قصائد قيلت في تلك العهود لشعراء وأسماء معروفة كأبي علي إسماعيل القالي، الذي هاجر من بغداد إلى الأندلس في عهد الحكم الناصر وتوفي بقرطبة 975 م وغيره. وكانت وقتها قرطبة قبلة العالمين الأوروبي والعربي. وزامن عهده في المشرق خلافة عباسية ضعيفة تقبع تحت هيمنة البويهيين.
أحداث الرواية اعتمدت التاريخ الحقيقي، ليتحدث ساردها عن الأندلس المضيعة، وعن قرطبة عروس المدن، وخفايا لياليها وحكى عن قصر الزهراء، وذكرياته السعيدة، وأسرار ساكنيه، ومؤامراتهم وقصص عشقهم، وسفارات الأوروبيين إليه، والحفلات الليلية الباذخة التي كانت تقام فيه لإبراز هيبة الخلافة.
استطاع حسن أوريد أن يقدم كل ذلك الجمال من خلال لغة مقتصدة، وصور شعرية لا تنسى. حلَّل فيها الصراع بين قوانين مؤسسة الحكم في شخصية الحاكم العربي، كالعدل وهيبة الحاكم والإدارة، وإلى جانبها العواطف الإنسانية الكامنة فيه، كالوفاء والحب والبغض والخيانة. وقد صدرت الرواية عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء.