على الرغم من احتراف عدد من كتّاب الرواية والقصّة القصيرة لهذا النوع الأدبي، بل وتعبيرهم عن محبتهم له ولخصوصيته، فإنه يبقى الأندر حضورًا ووجودًا على الساحة الأدبيّة بشكل عام. ولكن يبدو أن «النوفيلا»، أو «الرواية القصيرة» آخذة في العودة بقوة عبر عدد من الكتّاب في مصر والعالم العربي.
نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، رواية «وارث الشواهد» لوليد الشرفا التي وصلت للقائمة القصيرة في بوكر الحالية، وكذلك من مصر «قانون البقاء» لعمرو عاشور، ورواية «الست» لسمر نور، وغيرها من الروايات التي يبرع الروائيون في كتابتها، ويجيدون استخدامها للتعبير عن إبداعهم بشكل حقيقي.
من هؤلاء جاءت رواية الكاتب والفنان التشكيلي «محمود عبده» الصادرة مؤخرًا عن دار الشروق، والتي تحمل اسم «رقص طفيف» والتي استطاع أن يقدّم فيها صوته كروائي محترف قادر على الإمساك بشخصيات روايته بعناية وتقديمها للقارئ من خلال لقطات قصيرة مركّزة عبر فصول الرواية التي تتجاوز الثلاثين فصلاً، والتي تتوزّع شخصياتها وتتعدد طوال السرد، ولكن يبقى القارئ مع ذلك شغوفًا بالحكاية حريصًا على إتمام القراءة ومحاولة ربط خيوطها بعضها ببعض حتى تنتهي الرواية ولا تنتهي المتعة.
رغم ما قد يبدو عليه عنوان الرواية وغلافها الخارجي أن الرواية ربما تدور عن الرقص وتلك الحالة الإنسانية الخاصة، إلا أن الكاتب استطاع أن ينتقل من خلال حكاياته إلى أكثر المواضيع حساسية وجدلاً في المجتمع، وأن ينقلها بحيادٍ وبساطة، دون أن يقع في هاوية السطحية أو المباشرة.
جاءت شخصيات الرواية متسقة مع أهدافها ومسارها الذي حدده لها منذ البداية، سواء كانت تلك الشخصيات أصوليةّ متمسكةً بعاداتٍ وتقاليد وأفكار إسلامية خاصة، أو شخصيات تسعى للبحث عن الحب والحياة الهادئة الجميلة كما عرفوها وعاشوا فيها من خلال لوحات وكلمات كبار الفنانين والأدباء، بين هذين العالمين، وعلى مسافة بسيطة من الاشتباك الحاد تدور أحداث الرواية، ويتبينّ للقارئ ذلك الرقص الطفيف الذي يسعى جاهدًا للبقاء حيًا مقتنصًا كل لحظة فرحٍ وحب وسعادة بكل ما يستطيع.