لم تأخذ رواية “أفراح القبة” للأديب المصري نجيب محفوظ، والتي كتبها منذ سنوات طويلة حظها من الشهرة التي نالتها أعمال أخرى له. ويمكن القول إنّ شهرتها ظلّت محصورة بين قرّاء نجيب محفوظ فقط، وليس بين جمهور أقلع عن القراءة واستبدلها بمشاهدة الأعمال التلفزيونية والسينمائية.
لكنّ تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني عُرض في الموسم الرمضاني جاء بمثابة انطلاقة جديدة لرواية محفوظ المنسية بين مئات الروايات ليهيل عنها التراب معيداً اليها انتباه القارئ قبل المشاهد، لا سيما أنّ العمل حقق نجاحاً كبيراً ونسبة مشاهدة عالية.
الأمر لا يتوقف عند محفوظ فحسب، لأنّ ثمة روايات مهمة لكتاب آخرين لم تحظ بالشهرة التي تستحقها ولم يلتفت اليها القارئ ولم ترتفع مبيعاتها إلا بعد تحويلها إلى أعمال درامية. لذا فإنّ “أفراح القبة” ليس حالة فريدة أو جديدة بل حالة قديمة ممتدة عرفتها السينما قبل التلفزيون، من خلال أعمال كثيرة مثل “ثلاثية نجيب محفوظ” الشهيرة والتي ساهم تحويلها إلى عمل فني سينمائي في ارتفاع مبيعاتها وشهرتها حتى يومنا هذا، وأيضا “اللص والكلاب” و”خان الخليلي”، و”قنديل أم هاشم” عن رواية يحيى حقي التي تحولت الى فيلم من بطولة شكري سرحان، و”الكيت كات” لداوود عبد السيد المأخوذ عن عمل أدبي بعنوان “مالك الحزين” لإبراهيم أصلان، وكلّها صارت علامات في تاريخ السينما المصرية.
ومن الروايات التي لم تحقق نجاحاً عقب نشرها لكنها حظيت بنجاح منقطع النظير عند تحويلها إلى عمل سينمائي “الباطنية” من بطولة نادية الجندي ومحمود ياسين وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً وساهم في إلقاء الضوء على الرواية الأصلية للكاتب إسماعيل ولي الدين، وتحولت لاحقاً أيضاً إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة غادة عبد الرازق.
وحازت رواية “ذات” للكاتب صنع الله إبراهيم والتي صدرت العام 1992 والتي تتناول حالة المجتمع المصري عقب الانفتاح شهرة فائقة عقب تحويلها الى مسلسل تلفزيوني بطلته نيللي كريم تم عرضه منذ سنوات قليلة لتعاود مبيعاتها النشاط مرة أخرى.
الأمر ذاته حصل مع رواية “لن أعيش في جلباب أبي” للكاتب إحسان عبدالقدوس، حين تحولت إلى مسلسل بالغ النجاح ذاع صيته عام 1995.
وتشهد الحالة الدرامية الراهنة تركيزاً على الكتب التي حققت نجاحاً ومبيعات من أجل تحويلها إلى أعمال فنية حتى وإن لم تكن ذات مستوى أدبي متميز، حيث إن المنتج السينمائي يستهدف الفئة التي تشتري هذه النوعية من الكتب وهي غالباً فئة الشباب وهم الشريحة العمرية الأكبر في مصر وهي ذاتها الفئة التي تشكل جمهور السينما. فالمنتج يرغب دائماً في البحث عن ربح وعن جمهور يرتاد السينما ليعود له بما أنفقه لأن المنتجين لهم حسبة دقيقة جداً تتعلق بالمكسب والربح.
ويشير الناشر وائل الملا، مدير مكتبة مصر العربية، إلى أنّ الأعمال الأدبية المشهورة غالباً ما يتم تحويلها إلى أعمال درامية، وأن الأصل في تحويل العمل الأدبي إلى عمل درامي سواء للسينما أو للتلفزيون هو أنه يحظى بقدر من الشهرة والمبيعات. ويضيف في هذا الإطار: “حتى وإن كانت “أفراح القبة” لم تحقق الانتشار ولم تأخذ حظها من الشهرة كرواية لكنها في النهاية من أعمال نجيب محفوظ، وهو كاتب عالمي بالغ الصيت. ثمة روايات اشتهرت وحققت مبيعات جيدة فتم تحويلها إلى أفلام مثل “الفيل الأزرق” و”هيبتا” ومثل هذه الأعمال تنشط مبيعاتها مرة أخرى بعد التحويل لأعمال درامية”.
ويشير الملا أيضاً إلى أن أي عمل يتم تحويله من أدبي إلى فني يأخذ دفعة نشاط جديدة حيث يبدأ المشاهد بشراء العمل الأدبي لمقارنته بنظيره الفني من حيث الأشخاص والأحداث والتفاصيل.
ويرى الناقد طارق الشناوي أن هناك نماذج لأعمال عديدة مثل “هيبتا” و”الفيل الأزرق”، وهي أعمال أدبية حققت نجاحاً جماهيرياً طاغياً، غير أنّ نجاح الفيلم أو العمل الدرامي لا يرتبط بالضرورة بالنص الأصلي. فالعمل الأدبي لا بدّ أن ينطوي على حالة يستطيع من خلالها المخرج أو صانع الفيلم وكاتب السيناريو أن يحولها من المجال الروائي إلى الدرامي فتكون هناك تعديلات وإضافات.
ويتابع الشناوي قائلاً: “قام داوود عبد السيد بتحويل رواية إبراهيم أصلان “مالك الحزين” إلى فيلم “الكيت كات” ولم يكن ملتزماً الرواية الأصلية ولكن أخذ روحها فقط وأضاف الكثير فليس شرطاً الالتزام الحرفي بالرواية الأصلية وخيانة العمل الأدبي هي طريقة لصنع عمل جيد والمساهمة في نجاحه”.
ويختم الشناوي بقوله إنّ صانعي مسلسل “أفراح القبة” لم يلتزموا النص الروائي الأصلي لنجيب محفوظ بل عرجوا على عدد من القصص الأخرى لمحفوظ مثل “اللص والكلاب” وأستقوا واستلهموا من “زقاق المدق” وغيرها.
للنص الأدبي روح لا يخطئها القارئ المتمرس، والعظمة والإبداع في تحويل الرواية إلى عمل فني ناجح يكمنان في أن ينهل كاتب السيناريو من الرواية ليحولها إلى شخوص من لحم ودم، من دون أن يمس روحها. تلك الروح التي يبثها الكاتب والمؤلف الأصلي في عمله ولا ينتزعها كاتب السيناريو، فتجذب القارئ والمشاهد على حد سواء.
مقال رأي للكاتبة هبة ياسين نقلا عن صحيفة “الحياة” اللندنية