يمكن أن تُصنّف رواية «السبيليات» للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، كرواية سيرة ذاتية ذلك لأن «أم قاسم» هي الشخصية المحورية التي تصنع الأحداث، وتدفع الآخرين للمساهمة فيها، كما أنها تسجِّل حضوراً طاغياً منذ مُستهل النص حتى منتهاه، ولعلها تشكِّل قناعاً ما لصوت المؤلف الذي ارتأى أن يختبئ وراء هذه الشخصية الإشكالية على الرغم من براءتها، وبساطة تفكيرها كما يُخيّل للمتلقي وهو يتتبّع هذه المرأة القروية التي أوشكت أن تطوي عامها الخامس والخمسين بعد عشرة أيام.
لا تتوفر هذه الرواية على بناء فني معقد، فشكلها سلس لكن ثيمتها عميقة، وإنسانية بامتياز. ولعل أهم ما ينفرد به هذا النص الروائي هو شخصيته النسائية «أم قاسم» التي ستلعب دوراً أساسياً في مقاومة الحرب وبعث الحياة في الخراب الذي عمّ في بساتين النخيل في قرية «السبيليات» بينما ظلت الضفة الغربية لشط العرب يهيمن عليها الذبول والاصفرار اللذين يبعثان على الكآبة، ويُحدثان في النفس غصّة.
ما إن تصدر القيادة العراقية بياناً مُلزماً يقضي بمغادرة الأهالي الذين يسكنون في القرى والبلدات القريبة من سوح المعارك خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام حتى تبدأ مشكلة «أم قاسم» تحديداً، فهي متعلّقة بـ«السبيليات» ولا تجد ضالتها إلاّ في هذه القرية الحميمة، ومع ذلك تغادرها مضطرة مع عائلتها المؤلفة من سبعة أشخاص، وتسعة حمير، وحشد من الأحفاد.
قد تبدو الأحداث الرئيسية في هذه الرواية فنتازية ولا معقولة مثل النزوح من القرية ذاتها إلى مدينة النجف التي تبعد أكثر من 500 كلم مشياً على الأقدام، أو عودة «أم قاسم» مع حمارها «قدم خير» من الجزء الغربي من مقبرة النجف وصولاً إلى السبيليات خلال سبعة أيام أو يزيد. أو إقناع الملازم عبد الكريم بمدّ الأنابيب الإسمنتية تحت سدتي نهر سيد رجب ونهر الجومة وكأنّ الأمر لم يخطر ببال الهندسة العسكرية التي يمكن أن تجد حلاً لأي مشكلة تواجهها القطعات العراقية التي استنفرت كل طاقاتها إبّان الحرب العراقية – الإيرانية.
لا شك في أنّ ثيمة الرواية هي الحنين إلى القرية لكن هذا الحنين لم يقتصر على الأحياء فقط وخصوصاً «أم قاسم» وبقية أفراد العائلة، وإنما امتدّ إلى «بو قاسم» الذي مات بسبب قصور في القلب ودفنوه بين نخلتين متقاربتين بمحاذاة الطريق الدولي شمال مدينة الناصرية.
يذكر أن الروائي إسماعيل فهد إسماعيل قد أنجز الكثير من الروايات وتألق في بعضها مثل «كانت السماء زرقاء»، و«المستنقعات الضوئية»، و«إحداثيات زمن العزلة»، و«سماء نائية»، و«يحدث أمس»، و«طيور التاجي» وسواها من الروايات الأخرى لكن بعض الجوائز السنوية صارت تحفِّز الروائيين العرب على إنجاز رواية في كل سنة أو سنتين في أبعد تقدير.
المصدر: جريدة الشرق الأوسط