صدرت مؤخرا عن بيت الغشام للنشر والترجمة، بسلطنة عمان، رواية “الشويرة”، للكاتب العماني محمد بن سيف الرحبي.
الرواية كلها استدعاء ذاكرة البطل “صالح” الذي تجاوز عمره المائة عام لعالم عاشه هو وآباؤه وأجداده، عالم يلذ له تذكره وهو يجوب طرقات حارته “الشويرة” إحدى حارات قرية سرور. لكن التذكر يصبح أحيانا قاسيا مؤلما وشديد الوطأة على صالح لما في هذا التاريخ الذي يحمله على ظهره من نكبات ومعاناة يصعب أن يتحملها إنسان.
ومن هنا يأتي (لعب) الكاتب مع ذاكرة بطله، فهو لا يكتفي بسرد ما يدور في مخيلة تلك الذاكرة، بل يعينها على التذكر، ويساعدها على إعادة بناء الماضي بناء منطقيا متماسكا رغم ما يعرف عن الذاكرة من انتقائيتها ولا منطقيتها أحيانا، والأهم أنه يحاكمها، ويواجهها، ويواجه بها تاريخ وفكر مجتمع بأسره، ليس فقط مجتمع الشويرة، أو سرور، أو حتى عمان، بل ربما المجتمع الإنساني الذي قام على استغلال الآخر، والاستعلاء عليه نتيجة أشياء لا يد له فيها مثل لونه.
ربما تكمن القدرة الإمتاعية التي تتميز بها هذه الرواية في شغبها ولعبها مع القارئ، فهى تلعب معه لعبة الثنائية على المستويين التقني والموضوعي، وهي تقدم نفسها في طبقات متعددة صالحة للغوص والحفر والتنقيب والتأويل، إذ يبدو الكاتب كدليل ذكي وخبير في عالم لا متناهي يضع القارئ على الطريق، ويشير له إلى الآثار غير الواضحة في الرمال الوعرة، ويتركه يكمل هو المشوار، حيث إن هذه الرواية التي لا تتجاوز 172 صفحة من القطع المتوسط تستطيع حكايتها وشخصوها وامتدادها الزمني والجغرافي أن تستوعب خمسمائة صفحة، لكن الكاتب (القاص والشاعر) تمتع بفضيلة التكثيف والإيجاز الإشاري فأعطى عمله قيمة فنية مضافة.
المصدر: ميدل إيست أونلاين