في روايته الجديدة «ظل الأميرة» يضع الكاتب المغربي مصطفى الحمداوي متخيله السردي في قلب زمن غابر، ليقارب بمنطق السرد ومتاهة الأسطورة فصولا من محنة هوية أمازيغية ممانعة صمدت منذ القدم في وجه محاولات الطمس والتدجين.
النص الذي صدر حديثا عن جائزة كتارا للرواية العربية بعد فوزه العام الماضي في فئة الروايات غير المنشورة، ووقعه مؤخرا بالدوحة في إطار فعاليات الدورة الثالثة للجائزة هو تأصيل روائي لكينونة جماعية قدر لها أن تنبعث وتعبئ قوتها المادية والرمزية عند اختبار الصدام مع الآخر، وهو هنا خصم عنيد متسلط جسده الرومان أيام بسطهم سلاما مفروضا بالقوة على مناطق واسعة من شمال أفريقيا.
من مدينة دريو الأمازيغية إلى مدينة أرتو -حيث أرسى الرومان مركزا قياديا لهم في البلاد- يبني الحمداوي هذا التقاطب الدرامي بين الروماني المنتشي بتفوقه الحضاري، والأمازيغي الباحث عن اعتراف بوجوده في التاريخ وإسهامه في الحضارة الإنسانية.
هي رواية «حوارية» بامتياز تتنقل بين صوت الغازي المتغطرس وصوت الضحية المقاوم من دون شيطنة تنميطية للعدو، تضرب عميقا في متون التاريخ والأسطورة، لكنها تحمل بالتأكيد صدى الراهن ونزفه الأبدي في زمن صدام الحضارات وسياسات الإقصاء والتفوق العرقي.
«ملحمة حرب وحب» كانت مناطق شرق المغرب وشمال غرب الجزائر (وفق الحدود الحديثة) مسرحا متخيلا لها، يبعث من خلالها الكاتب رسالة تاريخية لشعوب عاشت على أرضها وتمسكت بحقها في الوجود مثبتة قدرتها على الدفاع عن هويتها بكل الشجاعة والممانعة الممكنتين بقدر تطلعها إلى إقامة السلام وإثراء التجربة الحضارية الإنسانية في مختلف مجالات الفنون والعلوم والحضارة.
هي قصة «أنير» الشاب الأمازيغي الذي يحمل على عاتقه حلم شعبه ويرحل متقمصا نبوءة «بطل قومي» الموعود لمهمة تاريخية من بلدته الأمازيغية دريو التي استباحها الرومان إلى مدينة أضحت مركزا قياديا رومانيا في البلاد المحتلة أرتو.
في قلب هذا المجتمع الروماني الصغير سيكون عليه بفكره وشجاعته ومهاراته اليدوية أن يبرز صورة متألقة للأمازيغي، وسيلاحق حلمه العاشق الذي انتخب أميرة له هي سانيس ابنة الحاكم الروماني للمدينة.
أنير سيلقى حتفه متأثرا بجراح المؤامرات الرومانية التي انهالت عليه بعد أن أبان عن مقدرة ووجاهة في المجتمع الروماني المحلي، ولكن بعد أن يكون قد ترك غرسا يحمل جينه، صبيا في بطن الأميرة الرومانية، بشارة مستقبل للأمازيغ وحرية لهم في بلادهم.
في «ظل الأميرة» التي صممت غلافها الفنانة التشكيلية القطرية دانة الصفر يكرس الحمداوي أسلوبا قوامه كتابة مشهدية بصرية، حيث يحرص على إدراج حركة الشخصيات ومواقفها في فضاء موصوف بعناية، مكانا، وديكورا طبيعيا أو عمرانيا، وتشخيصا فيسيولوجيا ونفسيا.
وقد اعتمد تقطيعا يقوم على فصول قصيرة (25 فصلا) حرص على استهلال كل منها بمقاطع للشاعر الروماني أوفيد، ويتقدم السرد بتزامن هذه الفصول أحيانا وتعاقبها أحيانا أخرى نحو نهاية مغلقة روائيا بموت البطل أنير، لكنها مفتوحة الأفق على مصير ذلك الجنين الذي يسكن في الأحشاء على مشارف الوجود.
يذكر أن الحمداوي ينحدر من مدينة الدريوش (منطقة الريف الأمازيغية) شمال شرق المغرب التي رأى فيها النور عام 1969، وهاجر إلى هولندا سنة 2005، ونشر أولى رواياته عام 2010 بعنوان «غواية الجسد» (دار سندباد، القاهرة)، ثم «حب دافئ تحت الثلج» (دار شمس، القاهرة)، و«الشيطان والورد» (دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء).
المصدر: الجزيرة.نت