تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح للدورة الحادية عشرة.

رواية «موت أبيض» تناقضات مجتمع ولد ميتا

رواية «موت أبيض» تناقضات مجتمع ولد ميتا

يعود الروائي السعودي، مظاهر اللاجامي، في عمله الأخير “موت أبيض” الصادر مؤخرا عن دار عرب بلندن، وهي رواية استعمل فيها الكاتب أدوات أكثر احترافية، من خلال الاعتماد على الترميز والتشفير للعالم الروائي المتخيل، حيث يتقمص المتن الرواية ثلاث سرديات داخل نسيج الفضاء المحكي في نفس واحد، دون الاعتماد على سارد مركزي أو راوي مركزي، معتمدا على وضع التاريخ القديم والوقائع الاجتماعية الحديثة في رؤية معاصرة، تعبر عن سرد الأحداث التي لها علاقة بالمحيط المحلي السعودي، وذلك في اطار علاقة حب جارفة بين حبيبين يمثلان طبقتين اجتماعيتين متناقضتين في الواقع والمتخيل، لكن الحب يؤلف بينهما في منظومة محبوكة بدقة تحاكي الواقع.

البطل “يونس المهدي” يتحدر من عائلة قروية تعاني العسر والحاجة وتسكن في العوامية، من جد كان يعمل فلاحا في أراضي جد حبيبته” سلمى العبد العلي” وهي الابنة البكر لعائلة اقطاعية تتمتع بالجاه والثروة، وعبر هذا التقاطع الاجتماعي التاريخي يحاول اللاجامي أن يفكك الأنساق ويسخر من الواقع، وفي ذات الوقت يعلي من قيمة الحمولة الهامشية في متن التاريخ القديم والجديد.

ويبدو السارد هنا في “موت أبيض” مراقبا، للأحداث وقتفيا لهندستها، ومخطط لأبعادها الانطولوجية، بينما يتجلى مظاهر السارد راويا ومعلقا على تفاصيل حياة لشخصية تدعى” يونس المهدي”، في محاولة لإقناع القارئ بأن الكاتب هو مجرد ناقل محايد للأحداث والتفاصيل الحياتية التي تدب في الرواية، والتي تدور أحداثها بين قرية العوامية ومدينة القطيف في شرق المملكة العربية السعودية، حيث تدور أحداث شغب بين مطلوبين أمنيين وقوات الأمن السعودي على خلفية” الربيع العربي”، بيد أنه وبشكل قصدي، كيدي، يوقف تتابع السرد المتدفق بين الفينة والأخرى، بإدارة واعية وبتدبر واع، مستعينا على قوة الانتباه للهامش بكل مجرياته، حيث الإحالات التي وثقها مظاهر الرواي بعناية شديدة، تحرص على ألا يفلت من قبضة القارئ أي تفصيل بسيط حتى ولو كان هامشيا أو عاديا أو عابرا.

تتضح هذه العناية المقصودة بشكل جلي حين يقترح الراوي على القارئ في المقدمة التي أسماها “مقدمة شخصية جدا” أن يضع مؤشرا “بوك مارك” ليسهل عليه الوصول للقائمة بعد نهاية نص المخطوطة، الأمر الذي يستدعي يقظة كبيرة، ووعيا مضاعفا لسببين؛ الأول يعود لانقطاعات تسلسل السرد بين حين وآخر محيلا للهامش، والثاني لموسوعية الهامش، وعمقه الهائل، الذي يتقدم مع القارئ وكأنه رواية موازية للرواية الأصلية، فقد جاءت الرواية بالكامل في 332 صفحة من القطع الوسط، احتلت الرواية منها 256 صفحة، بينما كانت الأربعون صفحة من نصيب الهامش والإحالات والمفاتيح الدلالية.

رواية “موت ابيض” تقود المثقف المحبط لاستدعاء عوالم مكسوة بالسواد والألم في صورة تنطلق من الواقعية لكنها تجمع التاريخ والفانتازيا ساخرة معقبة على الواقع .

المصدر: موقع 24 نيوز


أضف تعليق