تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

صبحي فحماوي يكتب: “وي إذن لست بإفرنجي”.. الرواية العربية الأولى 1859

أنت لا تصدق أنك تقرأ رواية عربية سورية أصيلة منشورة، من دار الفارابي اللبنانية في كتاب أنيق الطباعة صدر في 270 صفحة من القطع المتوسط، من تحقيق وتقديم شربل داغر، وأن مؤلفها الروائي “خليل الخوري” كان قد نشرها عام 1859 في جريدته البيروتية “حديقة الأخبار”، وقد نشر طبعة ثانية لها من “المطبعة السورية” عام 1860.

وبينما تبدأ أحداث الرواية في بيروت، إلا أنها تنتقل سريعًا إلى حلب، التي تشيد الرواية بجمالياتها ونظافة شوارعها وبهاء حدائقها الغناء، حيث يكون معظم أحداثها هناك، إذ يقول ص 60:” ها قد أصبحنا بك اليوم على باب “السهروردي” فحملق بعينيك في حلب الشهباء …لعلك تجد أثراً من عمامة المتنبي، أو ذكرًا لبرنيطة لامرتين..”

وفي هذه الرواية يحاول شخص الرواية الرئيس؛ (ميخائيل) الحلبي الموطن المتفرنج، استدراج الشاب (إدموند) القادم من فرنسا ليزوجه من ابنته إميلي، فيحاول أن يبدو أمام الفرنسي أنه ابن أكابر وإفرنجي أيضًا، إذ يقول لإغراء إدموند ص80: ” قد صار معلومًا عند الجميع أنني إفرنجي، وابنتي هذه اسمها إميلي ليس به شيء من العربي، ولقد غيرت اسمي من ميخائيل إلى ميخالي، وهذه مفروشات بيتي من عمل الإفرنج، ولا يوجد بها أثر من سمات العرب، وثيابي مزنّقة حتى أنني لا أستطيع أن أمشي بها..”

في اليوم التالي، نهض الأب ميخائيل لتنفيذ متطلبات الوليمة، وأوصى ابنته إميلي بأن تلبس فستانها الإفرنجي، ولما صار العصر، أرسل الخادم يستدعي الشاب الإفرنجي (إدموند)”

وبينما يدخل إدموند إلى بيت ميخالي صاحب الوليمة، يجد أن الصبية إميلي جالسة وبجانبها شاب لطيف الذات، فوجىء والد الفتاة بدخول إدموند على هذا الوضع، فنهض لاستقباله وهو يقول له: “هذا الشاب هو “أسعد” ابن عم أم الفتاة، وامرأتي تعزه لأنه من أقاربها، وأما أنا فلا أكترث به، لأنه عربي، ولا يعرف لغة إفرنجية.. وأنا لا أزوجها لابن عرب، وأهين شرفي”>

وعندما شاهد إدموند فرط التعظيم المقدم له، اعتز بنفسه، فجلس معجبًا بنفسه، وقال: “يجب إذن أن أكون مهابًا بأعين هؤلاء القوم..”

وفي هذه الرواية يسخر خليل الخوري من طبقة مجتمع تستشف منها عقدة العربي أمام الخواجا الأجنبي، وبخاصة أثر الفرانكوفونية في الإكبار من قيمة الفرنسة بين فئات الشعب العربي بخاصة في بلاد الشام، من بيروت وحتى حلب الشهباء.

وفي صفحة 96 يكتب ميخائيل: “وأما ابنتي، فلئن كانت في الظاهر عربية، فهي في الباطن إفرنجية، مثل أبيها وجدها، وقد علمناها أن تمقت أبناء العرب وتحتقرهم…”

ويركز الخوري على انتقاد تقليد العرب للغرب؛ ففي ص 86 يصف ملابس العرب المتفرنجين العائدين من الغرب كأنهم مومياوات مصرية ملفوفين بأقمشة التحنيط؛ إذ يقول “ثم يرجعون إلى ديارهم ملتفين بلباس الإفرنج، كالموامي بالسباني المصرية، متعلمين ما ساء عند الأوروبيين من العوائد والأطباع.

وفي صفحة 51 يسخر المؤلف من العرب الذين لا يقرأون، وإن وضعوا كتبًا في بيوتهم فهي معروضة كمنظر وليست للقراءة؛ فهو يقول:

“وذلك فضلًا عن خلو المنزل من الكتب، إلا ما كان منها حسن التجليد، فوضعه رب البيت برسم الزينة، فكان بكرًا من عيونه إلى الأبد ومصونًا عن أكف اللامسين….”

وينتقد المؤلف تعامل العرب مع المرأة، إذ يقول في صفحة 51: “أو عن كون سيدنا صاحب المنزل قد أنزل زوجته المصونة منزلة الحاجة في داره، ولا عبرة عنده لكونها من بني البشر…”

وفي ص 81، يقول: “عند ذكر أهالي جبل لبنان للنساء، يقولون “أجلّك الله، زوجتي، أختي، ابنتي..”

ولا يقف النقد للمجتمع العربي بل تجده في ص 54 ينتقد أهل أوروبا فيقول: “إن أهل أوروبا، مثلًا، لا يعرفون الكرم والجود والسماح. ولربما هذه الكلمات لا وجود لها في قاموسهم..”

وميخائيل – الشخصية الرئيسة في الرواية – المهووس بالغرب الأوروبي، نجد أن زوجته على العكس منه؛ فهي تحتقر الإفرنج، إذ تقول له وهو يبلغها عن وليمة سيقيمها غدًا على شرف الخطيب الإفرنجي المحتمل لابنته إميلي وهو (إدموند) في صفحة 104، وهي تعرف عقدته الإفرنجية: “هل دعوت أحدًا من رعاع الإفرنج التائهين، حسب عادتك؟” وكلمة رعاع قيمتها معروفة لدينا.

مقال رأي للكاتب الأردني صبحي فحماوي نقلا عن صحيفة “الأهرام” المصرية


أضف تعليق