لم تمر مدة طويلة على اغتيال الروائي العراقي علاء مشذوب، الذي اغتيل ليلة الأول من شهر فبراير الماضي، حتى صدر أوّل كتاب ــ ربما لم يكن متميزاً ــ كمحاولة لتوثيق لكل ما كُتب عن الراحل بعد اغتياله، وكان بأقلام جهات مختلفة من داخل العراق والوطن العربي، حتى المنظمات الدولية، وكذلك سفارات دول عظمى ومنظمات ثقافية عديدة. الكتاب الذي ألّفه الكتبي وصاحب أقدم وأكبر مكتبة لبيع الكتب في كربلاء طه خضير الربيعي، وحمل عنوان «اغتيال علاء مشذوب اغتيال الكلمة والحلم» ويقع بنحو 350 صفحة من القطع المتوسط، وكأنه يوثق ليس لما كتب فقط، بل يوثق لما بين الاثنين من علاقات قوية، كأبناء منطقة واحدة وتاريخ مشترك، .. وكأنه يريد القول إن الحرف لن يتوقّف وإن الصحف ستكتب مهما كانت المأساة.
يذكر الربيعي في مقدّمته، إنه وجد في الموت الذي يعني الغياب علاقة وجودية بالحياة، وقد تكون تلك مفارقة، إلاّ أنها مفارقة حقيقية وسائدة، خصوصاً لما يتركه الفقدان من فداحة وحزنٍ يؤثّر على مشاعر البشر وعواطفهم. ويضيف إنه إذا كان الاغتيال السياسي يعني محاولة لإسكات الخصم، أو العدوّ، أو حتى الصديق، إذا كان منافساً أو مختلفاً أو مغايراً، بتغييبه واستئصاله، فإن الرأي والفكرة والموقف لا يمكن تغييبهما أو استئصالهما أو إسكاتهما حتى عند تصفية مفكّر أو اغتيال مثقّف أو صاحب رأي، سواء كان ناشطاً مدنياً أو سياسياً أو رجل دين متنوّرا، أو صاحب مشروع فكري واجتماعي، فلن يحل الاغتيال السياسي محلّ ارتفاع الصوت والقناعة بالرأي وقوة الفكرة. ويلفت الربيعي الانتباه إلى معرفته بالراحل منذ ثلاثة عقود، لذا فهو يجده مجتهداً وصاحب رأي، وله وجهات نظر يدفع بها ويدافع عنها، ويقبل النقاش حولها، اتفقت أو اختلفت معه، وسواء كان مصيباً أو مخطئاً، فقد وجدت فيه شجاعة في معاكسة المألوف ومعارضة السائد، وأحياناً التحريض عليه بصوت عالٍ وأحياناً بدويّ، فقد كان فضاء الحرّية الذي منحه لنفسه عالياً، مثلما كان التعبير عن الرأي لديه واسعاً، وهو ما يدافع فيه ويكافح وينافح، بالقلم والحرف والصوت والصورة، ودفع حياته ثمناً لذلك.
لم يقتصر الكتاب على تقديم لمحةً عن الاغتيال لشخصية ثقافية وأكاديمية عراقية إبداعية ألّف من الكتب أكثر من 20 كتابا بين الرواية، ومنها 10 روايات، وفي المطابع العراقية والعربية هناك ما يقرب من أربع روايات جاهزة للطبع وكتب عن السينما وهي اختصاصه الدقيق، إضافة إلى كتب عن السيرة الذاتية وأدب الرحلات والتوثيق والنقد والجسد.. بل أراده أن يكون لمفهوم عام أن الاغتيال لا يؤدّي إلى إضاعة الصوت أو اختفائه، بل يتحوّل المغدور إلى رمز، فالحياة ستستمر.
المصدر: صحيفة القدس العربي