يتابع الناقد عبد المجيد زراقط بلورة مشروعه النقدي الذي كان قد باشره في الرّبع الأخير من القرن العشرين، من خلال مؤلّفه القيّم الجديد «في السرد العربي… شعريّة وقضايا» الضادر عن دار الأمير للثقافة والعلوم ـ 2019، من خلال الدراسات الّتي ضمّنها كتابه، يقدّم النّاقد لقارئه رصداً أميناً وتحليلاً دقيقاً، لنتاجات الحركة الأدبيّة الروائيّة اللبنانيّة، في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى دراسة معمّقة للكثير من النتاجات السرديّة العربية: المصرية، السوريّة، الفلسطينيّة، السعوديّة والخليجيّة التي شهد العصر الحديث ولاداتها، ليصل في الرّبع الأخير من الكتاب، إلى تحليل نماذج من النتاج السرديّ القصصيّ الجديد، أو ما يُعرف اليوم بالقصّة القصيرة جدّاً، والومضة القصصيّة.
يكتسب الكتاب أهميّة خاصّة، لكون مؤلّفه يقدّم دراسة نقديّة منتِجة للنصوص السرديّة، انطلاقاً من استقرائه الدقيق لها، ومن دربته الطويلة في هذا المضمار. فهو الباحث الممتلك أدوات هذه القراءة ومفاتيحها، والمتسلّح بمعرفة عميقة للمناهج الأدبيّة: القديمة منها والحديثة، الغربّية والشرقيّة متى وجدت. يضاف إلى ذلك تمتّعه، بذائقة أدبيّة عالية، مكّنته من منهجة قراءته للآثار المدروسة، ومنحها قدرة الكشف عن مكنون النصوص، وكيفيّة تشكّلها، وإظهار ملامح تمايزها، والمحرّكات الديناميّة لهذا التمايز. وهو إذ يفعل، يتقصّى شعريّتها ويبرز قضاياها، ووجهات النظر التي رأى كتّابها، إلى مواضيعها من خلالها.
يضمّ الكتاب كما يعلن مؤلّفه، أبحاثاً في شعريّة السّرد والقضايا التي حمل لواءها؛ أبحاثاً تمّت المشاركة بها في مؤتمرات جامعيّة وندوات في مراكز ثقافيّة، عُقدت في لبنان وفي أقطار عربيّة أخرى. يمهّد لها الناقد بتحديده مفهوم السرد وشعريّته وأنواعه، مشيراً إلى التداخل الحاصل أحياناً، بين الأنواع الشعريّة والسرديّة، مؤكّداً ضرورة التزام معيار العنصر المهيمن الذي يمنح النوعَ خصوصيّته. هذا العنصر المهيمن يتمثّل في: الإيقاع في الآثار الشعريّة، والحدث والراوي في المؤلّفات السرديّة.
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية