في كتابه “إيقاعات سردية” الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، يعاين الناقد والشاعر العراقي عذاب الركابي بعض التجارب السردية الأردنية منها تجارب في القصة القصيرة للكتّاب: بشرى أبو شرار في (من يوميات الحزن العادي)، وجعفر العقيلي في (ضيوف ثقال الظل)، ومجدولين أبو الرُّب (الرجوع الأخير).
وفي الرواية تناول تجارب كل من: بشرى أبو شرار في (شهب من وادي رم) و(العربة الرماديّة)، وصبحي الفحماوي في (على باب الهوى)، وهزاع البراري في (أعالي الخوف).
يفتتح الناقد كتابه بعبارة للكاتب بولو كويلو “الأرواحُ المعذبة تتعارفُ إحداها إلى الأخرى”، مشيرا إلى أنها هي ما هيأ أبجدية الكتاب، ويقول: “إنها كانت الإيقاع للخطوة الأولى الخجلى، كقرنفلة تغيِّرُ أثوابَها… جاءت الكلماتُ فيه ببلاغة احتفائية، لا تخلو من جمال وهيبة، تؤرِّخُ للقاءِ مبدعين، يجمعُ بينهم سحرُ الحكي، وعظم المعاناة، ونهر دافق من الأحلام والأسرار التي مرهون فكُّ شيفرتها على إغواء أنثى طافحة بالرغبة…” وعن الكتّاب الذين تناول أعمالهم بالدراسة يقول: “هؤلاءِ المبدعون – كتّاب قصَّة قصيرة ورواية، لهم حضورهم في السرد الأردني والعربي وهم “بشكلٍ سرِّي مصاصو حيوات الآخرين” بتعبير آندرس نيومان… ثروتهم في بنك الحياة كلمات، برصيد لا ينفد، وهي تنساب من أنهار قرائحهم بنكهة الفانتازيا، منطادهم الخيال -قلعة الجمال، وشطآن اللانهاية- برؤى دستوفسكي، يرسمون عوالمهم، ويرصدون حركاتِ أبطالهم بلغةٍ “من الروحِ إلى الروح، تلخص كلّ شيء”- بحسب تعبير الروائي الكبير آرتور رامبو… تميزها وردة أسرارهم، وهي تفوح بعطر أهليهم ومواطنيهم البسطاء الظامئين لحياةٍ لا تشكو مِنَ الحياة! وبوصفه شاعرا، قبل أن يكون ناقدا، فقد تركت لغة الشعر لدى الكاتب عِذاب الركابي بصمتها على لغة الكتاب، فهو يكتب بلغة شعرّية، يكتب نصا على نص، محملا نصه الكثير من الاقتباسات لكثير من الكتّاب والمبدعين العالميين والعرب، في سياق تعزيز رؤيته للنصوص التي يتناولها، ومما يجعل تلك النصوص التي يعتبرها “حيوات”، تتفاعل مع الحيوات الأخرى التي أوجدها كتّاب آخرون.
عن مجموعة الكاتبة بشرى أبو شرار “من يوميات الحزن العادي” يقول، إنها قصَص الذات المتوحدة في الذوات الأخرى.. ! بل هي قصَّة واحدة، لرواية واحدة تسكبُ ماء همومها في حوض هموم الآخرين، مَنْ ترتبط بهم بنبض الدم، وتتواصلُ معهم عبر أثير الهوية الضائعة، وعرق المعاناة، وأبجدية الدعاء بكلِّ لغات العالم الفاعلة والمندثرة للعيش الأفضل الآمن… تتحدَّث عن ذاتها، وهي تتحدّث عنهم في الوقت نفسه… تحكي حكايتها الطويلة، حكاية وطن الشتات، ومواطنه المرهون -حتّى الغياب- بهواء الحدود والبوّابات الخريفيّة.
وعن مجموعة “ضيوف ثقال الظل” للكاتب جعفر العقيلي، يقول: إنها قصص الواقع المعيش، بلغة الفانتازيا المموسقة بشاعرية دافئة وعالية. والقاص جعفر العقيلي في أولى قصص هذه المجموعة “الرأس والمرآة”، يكتب ويرسم! يكتب ليستنطق ذاته والآخر، عبر القصة (الصورة-المشهد)، والأسلوب، وخليط متناغم من الواقعي والفانتازي والسريالي والمتخيّل، والبطل – رأسه نواة جسده الذي بدا خلية نحل، وهو يرمز لحالة التشظي والتهدم الروحي التي يعيشها الراوي”.
أما عن مجموعة “الرجوع الأخير” للكاتبة مجدولين أبو الرب، فيقول “إنها قصص الواقع، وحكايات الناس الذين غابت الشمس عن بيوتهم، فاستبدلوها بشمس البوح، وأبجديتها نثار أجسادهم المتشظية، مصحوبا بتعاطف هائل معهم من قبل الكاتبة، وهي تجسد واقعهم المعيش بانحياز، لا يفقد ضرورته الإنسانية و(الكاتب بشكل سري مصاص حيوات الآخرين) كما يقول آندرسن نيومان!
المصدر: صحيفة الغد الأردنية