يبدي الكثيرون قلقهم من ذلك المنتوج الكبير على مستوى الأدب الروائي، والذي يحرك فيهم فكرة أن هذا الإنتاج الكثيف في مجال الرواية العربية يصب في مصلحة الإنتاج الكمي، الذي تباهي به المؤسسات ودور النشر والمهرجانات على حساب الإنتاج في الكيف، بالتالي يخلق حالة من الانفجار الزائف الذي يبشر بحمل كاذب، أو إلى هذا الحد تذهب مخاوف هذا البعض الذي يستدل باستقبال المكتبات بشكل يومي لعشرات الروايات، وهذا اتجاه ربما يحمل قلقاً حميداً يخشى من المآلات، والذي يكون نتيجته إنتاجاً كثيفاً بلا محتوى، غير أن هذه المخاوف، رغم مشروعيتها، والتي تنتج بالمقابل عشرات المقالات والندوات الناقدة، هذه المخاوف تتعامى عن حقيقة أخرى تقف على الضفة الأخرى من هذا التفكير، وهي حقيقة أن التمدد الأفقي الذي تشهده الساحة العربية على مستوى الإنتاج الأدبي الروائي لا بد، وفقاً لقانون التغير والتحول، أن يقود إلى تمدد رأسي، بالتالي يحدث تحوّلاً في كم المنتوج إلى نوع المنتوج، وهي العملية التي سيقود إليها ويمهد لها هذا التراكم الذي تفصح عنه المحاولات التجريبية لدى جيل جديد من الروائيين العرب.
الشاهد أن الرواية العربية قد حدثت فيها تحولات كبيرة، فارقت فيها إلى حد كبير ما ساد في بنيتها السردية والمضمونية من تقليد للرواية الغربية، على رغم أن التأثر بالأدب والمنتوج الغربي في فن الرواية يعتبر ضرورة حضارية، إذ إن الغرب قد طرق فن الرواية منذ عصور قديمة وأحدث فيها تراثاً كبيراً يصبح من الصعب تجاوزه بالقطع معه، وصار الآن للرواية العربية سردها الخاص وفضاؤها، ومواضيعها الخاصة، كما تحررت من ثقل الرواية الكلاسيكية، وطرق الروائيون العرب أبوابا حديثة في الرواية، وقد تخلصوا من مقولة: إن فن الرواية في الأصل هو فن غربي، ولن يصلح عربياً، هذا الحكم الذي كان يمسك بتلابيب الروائيين العرب ويقعد بهم.
الآن هنالك إقبال كبير على الرواية، إلى حد أن أطلق بعض النقاد عليها لقب “ديوان العرب الجديد”، نظراً للإقبال الكبير عليها بما توثقه على كافة الصعد، عبر استلهام التراث العربي الكبير، والأخذ به في اتجاه الحداثة، وهو الذي يمثل لحظة انتصار على تقليدية التفكير، وذلك النمط الأيديولوجي الذي يقيم حواجز مع الآخر، ومع التفكير الحر، والواقع الآن يقول: إن تحولات كبيرة قد حدثت على مستوى الرواية العربية، فباتت تعبر عن شكل جديد في الأدب، وهذا برمته سوف يحقق واقعاً وأفقاً جديداً للرواية العربية.
مقال رأي للكاتب علاء الدين محمود نقلا عن جريدة “الخليج” الإماراتية