لماذا مازالت الأعمال الروائية لنجيب محفوظ والطيب صالح وقليل من الروائيين العرب، تجد الإقبال والاهتمام من قبل جمهور القراء دون غيرها؟ صحيح أن هنالك انتشاراً كبيراً للأعمال الروائية الجديدة في العالم العربي، لكن معظم هذه الأعمال لا يجد الحماس ذاته في إقبال القراء عليها، ربما الإجابة عن السؤال تتطلب غوصاً في أعمال هؤلاء الكتاب الذين بنوا مجداً في هذا الدرب الإبداعي، فلا شك أن التصاقهم بالواقع الثقافي المحلي كان له أثره الكبير في خلود تلك الأعمال التي أبدعت في تصوير الواقع على نحو خلاق، فحسمت لديهم مسألة توطين الرواية كفن نشأ في بيئة غير عربية، فالرواية هي نتاج الفنون والآداب الغربية، وقد مرت بمراحل عدة في الغرب من الذبول والازدهار، حتى رسخت هنالك وصارت الدرب الإبداعي الأول، ومازالت هنالك عقدة حقيقية كونها لم تتحرر عربياً من تقليد الأنساق السردية الغربية، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن تلتصق الرواية الواقعية بالواقع لتنقله نقلاً أميناً، فهذه ليست عملية إبداعية، لكن المطلوب أن تملك الرواية العربية رؤيتها الذاتية وبناءها الخاص، وكذلك سردها الخاص.
كانت الرواية عند نجيب محفوظ على سبيل المثال هي بنت الواقع بكل تفاصيله، وهو انغماس في الواقع أثر حتى على تقنية السرد، وكذا الطيب صالح الذي أبدع في الواقعية السحرية التي هي بنت الشرق، فواحدة من أهم أزمات الرواية العربية، أنها كجنس أدبي انتقل من الغرب إلى العالم العربي، لم يتمكن حتى الآن، إلّا في محاولات نادرة، من تشكيل وترسيخ رؤيته وهويته الخاصة والمستقلة، فمازال يدور في فلك النموذج الغربي في كتابة الرواية، حيث كان اطلاع معظم الروائيين العرب منفتحاً على تلك التجربة الغربية، مع إهمال ما يعج به التراث العربي من نماذج وأساليب سردية.
السرد دائماً هو حالة خاصة، لا فكاك من ذلك، فالإقبال الكبير على المدراس الغربية، رغم أهمية هذه العملية، قاد إلى تجاهل البحث في المكونات الأدبية في التراث القديم، وهذه الحالة نتجت عن الرغبة في حرق مراحل تطور الكاتب نفسه، من أجل ارتياد آفاق سردية جديدة، وبالتالي التعلق بالنسق الروائي الغربي.
يحتاج الكاتب العربي حقيقة إلى هضم تراثه من أجل صناعة رواية عربية، وهي العملية التي تتطلب استيعاب هذا التراث واستلهامه، وفي الوقت ذاته الاطلاع على التجارب والمدارس الغربية، وهذا يقود إلى تأثر إيجابي ومبدع، فالرواية باتت تكتسب أهميتها بشكل كبير وسط جمهور القراء العرب، وهذا يتطلب رواية فاعلة ومتفاعلة مع الواقع العربي، متناولة قضاياه المجتمعية، وهو ما يفرض علينا النظر في راهن الرواية العربية.
مقال رأي للكاتب علاء الدين محمود نقلا عن صحيفة “الخليج” الإماراتية