“كيلة قمح” للقاص تامر حجازي مجموعة قصصية ذكية تحمل التاريخ سراجا يشير بفطنة لظلمة الواقع العروبى المعاصر، فلم يسهُ السرد القصير طرفة عين عن الواقع، فى جميع مشتملاته بداية من علامته الأساسية “كيلة قمح”، وحتى السخرية المرة للعربي الذى يحاول تحلية حنظل واقعه بروحه المقاومة حول تأريخ الجوع،
قصة تتعاطف مع الجمع الغفير من الوطن العروبي الذى أصبح هامشا مسحوقا مضروبا بالسياط، ممزقا لحمه وشعوره بالحرمان البغيض. يقول بطل القصة اللابطل: “مِن أَيْن لِي بِالْمَال أَو الْغَلَّة فِي هَذِه الْأيَّام السَّوْداء، لَقَد تَوَقَّفت الْأَعْمَال، وَجفَّت الزِّراعَات، فَلَم يَعُد أحَد يَطْلُبُنَا فِيهَا لِلْعَمَل بِالْأُجْرَة، وَلَسْت مِن الْأعْيان حَتَّى تَكُون لِي أرْض نَزْرَعهَا وَنَأْكُل مِن خَيَّرهَا”.
واستعمل القاص في قصة المجموعة العمدة “كيلة قمح” أسلوبًا في القصة يشبه المناجاة الدرامية في ثلث القصة الأول بحذفه مقولات زينب الطرف الغائب.
والمناجاة الدرامية تقوم على إقامة الحوار الداخلي “حديث النفس” في ذات الشخصية القصصية موجها لطرف آخر لا يحضر، لكن استعمال علامات الترقيم الممثلة في النقاط هنا بديلا عن عبارات زينب يحول السرد شبيه المناجاة الدرامية إلى حتمية قصصية، بمعنى حذف أكبر قدر ممكن من الكلمات، مع الإنفاق بذكاء من ثروة القاص من علامات الترقيم. ففن القصة القصيرة هو فن السرد المقطر، فعبارات البطل القصصي هى مرآة عاكسة لعبارات زينب، بمعنى أن القارئ يستنتجها بيسر من رد البطل المنكوب عليها. كما أضفى هذا الأسلوب السردي ميزة موضوعية حيث سلط بقعة ضوء واحدة فقط على بطل القصة المسكين، وهذا الشكل يوافق تماما موقعه الضمنى من حيث مسئوليتة عن أسرته الجائعة، ويقدم تبريرا للحدث الدرامي التالى المتصاعد في القصة بداية من حركته بالسفر إلى “المحروسة”، مرورا بنسيان نفسه ومعركتة الضارية كى يحصل على غرفة من فتات أرز ولحم يطعم بها أسرته البائسة. هو وحده الذي احتل نبض القصة راويا يحكي كل شيء، وهو المضروب المهزوم أبدًا.
والقصة – مثل كل نص – لها نافذة مضيئة – تسمى مقولة النص – ادخرها القاص للسطر الأخير، مع رعاية استعماله النواحي التشكيلية بتسميك بنط الخط في عبارات معينة كأنما يخبر القارئ أنا قصديتي هنا، ونوافذكم لقصتى أن تطلوا من شبابيك هذه العبارات.
في قصة “القبو” نجد بطولة المكان، حيث القبو أسفل القصر موطن التاريخ، حيث ُتحفظ فيه الوثائق، وحيث هو سبيل للنجاة، يقول بطل القصة الكاتب المصري عندما خطط لهروب الملكة كليوباترا بصحبته، من قبضة الغزاه الرومان كما كان “القبو” موطنًا لإنقاذ الذاكرة والهوية في فعل الكاتب المصري النابه.
وفي موطن قصصي آخر يظهر حرص الكاتب على هويته ومصريته فالقبو له رمزية تشير \ للشعب المصري الذي يتألق معدنه لدى عصر الأزمة.
وقد عمدت القصة لأسلوب خيالي ينتمي لما يعرف بالتاريخ البديل، حيث عصف بالملكة المصرية الجميلة العدو وأجبرها علي احتساء السم، فلم يكن موتها انتحارا كما جاء فى التاريخ.
والرمزية أيضًا ظهرت في صورة شخصية الحدث الرئيس الكاتب المصري مستشار الملكة الشخصي، وحافظ سرها، حيث مثل صورة “المثقف” الواعى، المحب لمليكته.
المصدر: ميدل إيست أونلاين