بشكل متنوع في طريقة العرض، يتنقل بنا محمد مختاري بين الأحداث، في روايته “مثل تغريدة منكسرة”، تلك الصادرة عن دار الثقافة في حكومة الشارقة 2019، الرواية الحاصلة مؤخرًا على المرتبة الثانية لجائزة الشارقة للإبداع العربي دورة المهرجان 22.
يحاول المغربي مختاري أن يقدم فكرته من خلال عرض بأسلوبية دوائر الماء، حيث إن دائرة كبيرة تحتضن دائرة أصغر، وهكذا، إلى أن تصل الدوائر المتعددة إلى عمق العمق الذي تدور حوله مركزية الرواية، ألا وهو“ الحكي“. كما يصفه الكاتب: ”جمال الحكي في الطبيعة، جمال الحكي في الداخل“. فيما تتنوع الطرق المستخدمة في طرح المواضيع، كلها تنبع من القول التناصي مع ديكارت: ”أن أحكي إذن أنا لن أموت“.
بذلك يريد أن يأخذنا مختاري إلى منطقة الإنسان الأصل، الإنسان الذي يمارس البوح كأسلوبية في طرح وجوده في الحياة دون تكلف، ودون قيود أو احتمالات للصمت. وهنا إرادة الحكي عند مختاري هي إرادة وجود، ميل إلى تعريف الذات كما تراها الذات، عملية تنقية لآراء الغير في شخوصنا، وتركيبنا الغائر، البحث عن السر الحقيقي الذي يعين الإنسان على الوجود. كل ذلك لا يتم إلا من خلال الحكي على الورق، أو الحكي للهواء، الحكي بأي وسيلة؛ بغرض تسريد الروح الإنسانية بطريقة لا تشبه النمط. كما يقول دون كيشوت: ”تبديد الشك مع ذاتك“ فأن يصل الإنسان إلى مرحلة الغمر مع كل مكتسباته، مواجهة دون تصنيفات، ودون جدران، يعرّف بذلك كينونته التي هي أسلوبه بين الموجودات.
تتمثل طريقة العرض البانورامي في الرواية في أن الراوي، وليس الروائي، أكبر من الشخصية، فكان هو المتحكم بسير طريقة الحكي، في صراعه مع السارد بداية من خلال الحوار المباشر، ومن ثم من خلال الرسائل، فيما بعد، والتي تمثل تغريبًا بين الإطارات الشخصانية داخل الرواية، ما يزيد من أفق تمدد الوعي مع الكاتب خلال سرده للحدث.
لكن الروائي المغربي لم يغفل عن منح شخصياته الإرادة الخاصة، فلم يكن يقدم نفسه العارف بكل شيء، بل كان المجرب، المكرس لحالة الجدل، والتوسع في الأساليب، والرؤى. فكانت عملية محاكمة الشاعر والروائي والناقد تمثيلًا للمسرح في ميكروفون مفتوح للشخصيات دون قانوني يمهد للدفاع عنهم. وهو ما يبرهن بأن الكاتب وإن كان يصنع الشخصية، بصفاتها، وأطباعها، وثقافتها، فهو لا يمكنه التحكم فيما بعد بمسار تلك الشخصية الدرامي، وردات فعلها كتجاوب مع المواقف، وقد يجد الروائي نفسه متفاجئًا من ردة فعل شخصيته، كما القارئ تمامًا. فالكاتب حين يتخلى عن فكرة تحريك الدمى، فإن الدمى مع الاقتراب من مركز النار السردي، تتحرك من تلقاء نفسها.
المصدر: موقع سيناء نيوز