تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح للدورة الحادية عشرة.

“مدن حريم السلطان”.. ذكريات الألم المزمن

“مدن حريم السلطان”.. ذكريات الألم المزمن

يتقصّى العراقي نعيم عبد مهلهل أثر التاريخ في عدد من المدن التي يختارها كأبطال لروايته “مدن حريم السلطان”، إذ يوزع أدوار البطولة بينها وبين عشاقها من أبنائها الذين اضطرتهم الظروف للابتعاد عنها والهجرة منها.

في روايته -الفائزة بجائزة الحمراني للرواية بمناسبة بغداد عاصمة للثقافة 2013 ونشرتها دار نينوى بدمشق مؤخرا- يكتب مهلهل بعاطفة صقلتها الحرب وفجرتها الغربة، يتنقّل بين ذكريات الحرب وعالم الذكريات.
يصف التغير الذي يشمل كل شيء في الحرب، وحالة اختفاء المدن خلف الستائر المنيعة لتبقى ذكريات أبنائها بأمان. وكيف أنه في المدن تختفي الحرب تحت ورد الحدائق لتذكّر بعطر مَن صنعوا ألفة البقاء بدموعهم ورسائلهم.

تشكل مدينة الناصرية الواقعة في الجنوب العراقي مرتكزا للراوي الذي يصرّح بأنه يكن احتراما خاصاً للوالي العثماني مدحت باشا الذي كان قد بناها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خلق كيانها وأسس ذاكرتها وجوديا وحضاريا. ويستذكر تميزها بأنها أعطت لحروب بلادها العدد الأكبر من الضحايا، منذ حرب البلقان وحتى تهدم أسوار بغداد أمام رعد الألوية المجوقلة الآتية من أريزونا وكنتاكي وجزيرة سان ديغو.

يسرد الروائي كيف أن تعاقب الأنظمة والحكومات أدى إلى اندثار سنابك خيل السلطان وتعمّد الأزمنة التالية بذكرى ولاءات جديدة.
ويحكي عن مراحل بعينها منذ جاء الإنجليز والملك الحجازي فيصل الأول، ثم الانقلابات لتذبح بشظية العسكر آخر عبارة نطقتها خادمة شركسيّة في بيت الوصيّ عبد الإله، وهي تتلقى ببرودة دم رصاصة مهاجم متهوّر لا يدري ولا يفقه ما يفعل.

يظل الكاتب مُسكنا أبطاله بأيام الحرب وذكريات الجبهة، ترى بطله يعيش محنة الاغتراب ووجع الحنين، ويتخيّل بلغة شاعرية مدينة كركوك لتتداخل الذكريات مع صور الحبيبة، وتستفيق معها قصائد رامبو وسركون بولص ورينيه شار وصلاح فائق وبول إيلوار وعبد اللطيف بندر أوغلو وميشيل ديغي وغيرهم.

ظلال “حريم السلطان” مهيمنة على الرواية، ابتداء من العنوان ومرورا بتفاصيل الأمكنة والمدن والنساء، حيث يذكر بالمسلسل الشهير، وحياة السلاطين ولقطات من تعاملهم مع الرعية، وكيف أن هناك تقاطعا بين الشغف بالمدن والنساء عادة، يقدم ذلك بلغة شاعرية يحاول عبرها تجميل الألم المزمن.


أضف تعليق