صدرت حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، رواية ( مستر نورگه) للروائي العراقي نوزت شمدين.
تقع الرواية في 312 صفحة وتتحدث عن “نافع” الذي يؤمن بأن هنالك صلة قربى تربطهُ بالكاتب المسرحي النرويجي (هنريك ابسن 1828-1906) ويتحول الإيمانُ إلى يقين بمرور الأيام فيبدأ بتقليد إبسن في مظهره، بثياب سوداء سميكة ونظارات طبية بعدستين صغيرتين وحذاءٍ بكعبٍ عالٍ وشعر طويل مدفوع إلى الخلف ولحية بذقنٍ حليق ويمكث ساعات يومية طويلة لقراءة مسرحيات إبسن أو ما كتب عنها أو أي مطبوع يتحدث عنه أو عن النرويج بنحو عام ولغتها. ويجول بين مكتبات بغداد في المتنبي بحثاُ عنها كطقس واظب عليهِ لأكثر من أربعين سنة، حتى بات الناس في بغداد يطلقون عليه مستر نوركَه والاسم الأخير يعني (النرويج) باللغة النرويجية.
يبدأ الأمر في 1977 حين ترسله أمه خلال العطلة الصيفية وهو في الثانية عشر من عمره ليمكث عند خاله في البصرة خلال العطلة الصيفية. وهناك، يقابل الرحالة النرويجي (ثور هايردال) الذي يعجب بذكائه ومقدرته الفائقة على تذكر أي شيء يقرؤه أو حديث يستمع اليه وترديده بنبرة صوت المتحدث وبأي لغة كانت. ويشبِههُ بعد أن يستمع الى قصته والقسوة التي يعامله بها والده، بهنريك ابسن في طفولته. فيظل الاسم مترددا في ذهن نافع من يومها وإلى أن يبلغ ثلاثاً وخمسين سنة. بمسايرة من والدته وشقيقته اللتين تتلقيان نصائح من الأطباء النفسيين بعدم اعتراض طريقة تعبيره عن نفسه لكي لا تتفاقم حالته ويتعافى متخلصاً من مرضه.
يرسل 227 رسالة إلى(تانكريد) حفيد ابسن وملك النرويج اولاف ورؤساء وزراء المملكة منذ منتصف العقد الثامن للقرن المنصرم، آخرها إلى أورنا سولبيرج سنة 2017.
5300 كيلومتراً تفصل بغداد عن أوسلو، تحاول الرواية تقليصها والتركيز على المشتركات التي يمكن أن تؤسس مساحة يلتقي فيها المختلفون بعيداً عن كل ما يفرقهم من لغة أو دين أو تقاليد.
يقول شمدين في تذييله روايته “هو وأنا متشابهانِ إلى درجة كبيرة، ليس بتفاصيل متطابقة إن جئت للحقيقة وهذا طبيعيٌ بحكم الفوارق الزمنية والمكانية والاجتماعية وكذلك البدنية إن صح القول، لأن جدنا احتفظ بأعضاء جسدهِ كامِلة دون نقص بينما اقُتُطِع جزءٌ مني وأنا طفل رضيع والخجل يمنعني أن أذكر لك موضع هذا الجزء المفقود رغماً عني. ما أريد قولهُ أنني أشبههُ بالجوهر والأصل. وهنا، عند هذهِ النقطةِ تحديداً أواجهُ عصف أسئلةٍ وقد أحتاج إلى وقتٍ وربما إلى كثيرٍ من الجرأةِ للإجابة عن بعضها. فهل أنا مُجردُ فرعٍ من فروعهِ وورثت عنهُ صفاتهُ الروحية بمجملها أم أنني تكرارٌ لهُ في محيطٍ آخر بعيدٍ عن الذي نشأ وعاش فيه وعليّ التقيد بظروف المكان والزمان اللذين أتواجدُ فيهِما مع المحافظةِ على نهجهِ وسلوكِ طريقهِ. أو قد أكون أنا، هوّ ذاتهُ وقد نجح بعد جهدٍ روحي في العثور على جسدٍ يسكنهُ ويحاول قدر وسعهِ إعادتهُ إلى موطنه ليُكمل أمراً منقوصاً تعذر عليهِ إتمامه بجسدهِ الأول؟.
وتعد “مستر نوركَه” الرواية الخامسة لنوزت شمدين، إذ صدرت له (نصف قمر) عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 2002 و(سقوط سرداب) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2015 وعن ذات الدار (شظايا فيروز)2017 و(ديسفيرال) عن دار سطور للنشر والتوزيع بغداد 2019.
المصدر: موقع إيلاف