تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح للدورة الحادية عشرة.

مصطفى عطية: الوعي والسرد كل لا يتجزأ

مصطفى عطية: الوعي والسرد كل لا يتجزأ

ينطلق د.مصطفى عطية في كتابه “الوعي والسرد” من أن السرد ليس إلا عمل فني، وأي عمل فني لا ينفصل عن الوعي بكل تجلياته، فلا سبيل لإنشاء سرد أو الغوص فيه أو تلقيه إلا بالوعي، فإذا كان المبدع ينشئ عمله عن وعي، فإن المتلقي يبحر في ثنايا العمل بوعيه، ويظل في وعيه ليكون جزءا من تكوينه. إذن، الوعي والسرد كل لا يتجزأ، وحدة لا تتشتت.

اشتمل الكتاب – الصادر عن دار النسيم – على تنظير وتطبيق من منظور علاقتهما الوعي، وأهمية إدراك كينونة شقي العملية الإبداعية وهما: المبدع والناقد، وقد جاءت النصوص السردية موضع الدراسات التطبيقية متنوعة الأشكال: لتشمل الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، وأدب الطفل، وأيضا متنوعة الأجيال لتشمل عملاق الرواية العربية: نجيب محفوظ، وجيل الستينيات من مثل: إبراهيم أصلان، فؤاد قنديل، محمد حافظ رجب؛ وأصوات جديدة: جيهان عبد العزيز، عصام الزهيري، أحمد طوسون، أحمد قرني، ثروت عكاشة السنوسي..، مع مراعاة اختلافات السن والتجربة والخبرة الجمالية لكل منهم.

وأوضح د.عطية أن علاقة الوعي بالسرد تأتي محددة في ثلاثة جوانب، تلتقي في مادة السرد، فالموضع الأول: الذات الساردة، والثاني: المسرود ذاته، والثالث الذات المتلقية. ويكون الوعي محركا بين هذه الجوانب، فهناك وعي لدى السارد ووعي في النص السردي، ووعي لدى المتلقي، وكلما استطاع المتلقي أن يتلقى النص السردي، ويفك شفراته، ويقف على الكثير من رسائله ورموزه، فهذا دليل على أن النص السردي واضح في طرحه، جميل في تشكيله، عميق في مضمونه، مع الأخذ في الحسبان أن هناك تفاوتا بين مختلف النصوص فهناك نصوص تفتقد العمق، وتنقصها الجماليات، مما يجعلها بسيطة الطرح، سطحية المضمون، وينأى عنها المتلقي سريعا لأنه استوعب رسالتها بيسر.

أيضا، فإن فهم المتلقي لرسالة النص وشفراته، دليل على مدى تمكن السارد / المنشئ في تكوين نصه، الناتج عن وعيه بالحكي، وإدراكه لكيفية تقديمه للقارئ بشكل جمالي وجذاب، وبالتالي تكون المعادلة بين الوعي والسرد قائمة على: وعي السارد وتمكنه من تقنيات سرده، وتحقيق هذا في النص بشكل عال، يجعل المتلقي سابحا متمتعا هاضما رسالة النص، مشاركا بفاعلية ووعي في إنتاج دلالات جديدة، تغذي نفسه، وتضيف لمجتمعه تنويرا وجمالا.

وأشار المؤلف إلى إن الذات الساردة تكوّن إبداعها عبر عوامل عقلية وانفعالية في أعماق المبدع، تستغرق بعضا من الوقت، ومن ثم تبرز على الورق. فأولى لحظات العمل والوعي هي – في الوقت نفسه – استيعاب وإدراك جمالي للعالم، فمظاهر عمل الإنسان ووعيه منذ بداياتها الأولى ذات علاقة مباشرة بالتجربة الجمالية، وهو عملية خلق يقوم بها الكاتب وإعادة خلق في لحظة الإدراك من قبل المشاهد أو المتلقي.

وأكد عطية أن دراسة الوعي في السرد يعني فهم الأحداث والشخصيات وتفاعلها زمانيا ومكانيا، والوقوف على وجهة نظر السارد في بنائه لسرده، ومدى الجدة التي طرحها في الزاوية التي تناولَ عبرها سرده. ومن المهم الأخذ في الاعتبار، أن مسألة تعدد الرواة، والسرد من زوايا متعددة إنما هي مسألة فنية، تهدف إلى الإيهام بالواقع، وهي شكل من أشكال الديمقراطية في التعبير، وفي حالة غياب هذا الموقع الفني الذي يتوخاه السارد يكون الخطاب في مجمله موجزا، مقتصرا على ما يرومه المنشئ فقط، أما في حالة تقديمه عبر بنية التبئير وبشكل فني، فهذا دلالة نهائية على أن المسألة لا تعدو إلا أن تكون وجهة نظر خاصة بالراوي في السرد، مؤطرة ومحددة بواقع هذه الشخصية ومحدداتها الاجتماعية والثقافية، فهي لا تتحدث في المطلق، وإنما تظل مروياتها خاضعة لرؤاها الذاتية المشبعة بوعيها الخاص.

المصدر: ميدل إيست أونلاين


أضف تعليق