تعاملت الرواية العربية منذ بداياتها مع التاريخ باعتباره رافدا إبداعيا تمنح منه وقائع جاهزة وتجارب مكتملة، وفي العقود الأخيرة عاد الروائيون العرب إلى التاريخ بحثا عن إجابات يطرحها واقع مفعم بالخيبات والهزائم، لكن الروائي المعاصر في تعامله مع التاريخ يختلف عن الرواد ومنهم جورجي زيدان، فهو يعي تماما مدى الاختلاف بين دوره كمبدع، وبين دور المؤرخ حتى وإن اعتمدا على نفس الوثائق وتناولا نفس الوقائع، وهو ما أحدث جدلا كبيرا خصوصا على مستوى النقد والتنظير مما أوجد مطالبات بأن يحل مصطلح “التخيل التاريخي” محل مصطلح “الرواية التاريخية”، من أجل دفع الكتابة السردية إلى تخطي مشكلة الأنواع الأدبية وحدودها ووظائفها.
الناقدة والأكاديمية العراقية نادية هناوي من المنتمين إلى هذا الاتجاه، وبلورت رأيها في كتاب صدر مطلع هذا العام عن دار غيداء الأردنية، وعنوانه “السرد القابض على التاريخ”، وتنشغل فصوله الثمانية بمفهوم التاريخ كمادة روائية يقصدها الأديب “ليحولها إلى مدونات نصية سردية، يستحضر فيها الواقعي كما يغلغل فيها التخييلي مستجمعا الوثائق ومستحثا الذاكرة ليلتقي الماضي بالحاضر على أرض واقع نصي”.
وترى هناوي أن هدف الروائي من ذلك ليس استعادة الماضي، بل يكون في استجلاب التاريخ فرصة لالتقاط المخفي والمهمل أو المسكوت عنه مما تضمنه التاريخ، فتأتي الكتابة لتكشف عنه وعن المقموع والغائر فيه لكي تطلق قيوده وتعيد له حقيقة دوره.
وهكذا تتواتر الفصول الثمانية متناولة علاقة التاريخ بالأدب، وكيف تخدم وسائل عمل المؤرخ مهمة الأديب في التوثيق للأحداث والحقب والسير واجتراح مصطلح رواية التاريخ والمكونات البنائية المحددة التي يمكنها أن تُنتج رواية تاريخ، وتتطرق إلى علاقة الرواية بالتاريخ من ناحية المنابت والتمثلات، والكيفية التي بها تتشظى الذاكرة ويتم الإيهام بالواقع.
خصصت الناقدة الفصول الستة الأخيرة من الكتاب لدراسات تطبيقية، تناولت فيها نصوصا إبداعية انطلاقا من تلك المفاهيم، بينما ناقشت عبر أول فصلين نظريا مصطلح رواية التاريخ كصيغة سردية، وتسعى إلى فحص هذا المصطلح ومقارنته مع مفاهيم وأطروحات عربية وأجنبية مثل مقولات باشلار وبول ريكور وهايدن وايت.
المصدر: موقع العرب