يتناول الكاتب والروائي حمدي البطران في كتابه «هوامش على حرية التعبير» دور السلطة في ممارسة الرقابة، في مصر، على حرية الإبداع، وتضمن الكتاب بين دفتيه ثلاثة فصول، بالإضافة الى الملاحق والوثائق.
يقول البطران «الإبداع الأدبي هو نشاط يتعلق بالذهن البشري، يخرج فيه الكاتب مكنونه الداخلي بوسيلة أو بأخرى، من وسائل التعبير المتاحة له، سواء بالأدب، القصة، الرواية، النقد أو بالفنون الرسم، العزف أو بالتمثيل وخلافه، هذا النشاط يتقبل النقد، سواء بالإطراء، أو بالذم، من الجمهور أو النقاد والمثقفين على سواء».
ويؤكد البطران أن العملية الإبداعية هي عملية ذهنية بحته، ترفض أي نوع من أنواع الرقابة عليها، فإذا ما تخوف المبدع من الرقابة، فإن العملية الإبداعية عنده سوف تتلاشى وتضمحل، ومع تطور الفكر الإنساني، بدأت الدول المتقدمة تنادي بضرورة توفير حرية أكثر للمبدع، وبدأت الصيحات تتعالى، وتنادي بحرية الإبداع، فظهرت الدساتير والمواثيق الدولية، لتجبر معظم الدول، على النص في دساتيرها وقوانينها، على ضرورة احترام حرية الإبداع.
وتحاول الدول وخصوصاً في العالم الثالث أن تفرض سيطرتها على عملية الإبداع، بسن وتطبيق قوانين رادعة، وقد ترى الدولة أن المبدع تحول إلى خطر على مبادئها وأفكارها التي تحكم بها، فتحاول أن تحد من نشاطه، بتقييد حريته في الكتابة، ومنعه من التعبير عما بداخله، فتفرض عليه أنواعا من الرقابة وتسن له القوانين التي تكبله وتمنعه من التعبير.
وقد تلجأ الدولة إلى احتواء المبدع، وتوظيفه لأغراضها، فتتحالف معه، وتغدق عليه، وهو ما حاولت الدولة المصرية أن تفعله، منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى الآن، مع معظم الأدباء والكتاب، فيفقد المبدع فطرته وحريته، ويحاول تطويع أدبه لخدمة الدولة وسلطتها وأغراضها.
ولكن الأمر قد لا يتوقف على رقابة سلطات الدولة على المبدع، بل يعاني من رقابة السلطات الدينية، كمؤسسات دينية رسمية أو غير رسمية، وهي السلطة التي ظهرت بوضوح في الخمسين سنة الماضية، وتغاضت الدولة عن هذا النوع من الرقابة، لأنه يحل محلها، دون أن ينسب إليها. وهو ما أوضحناه في الفصل الخاص بالرقابة الدينية.
وقد يجد المبدع نفسه في مجتمع محافظ، ويرفض التجديد، ويقاوم كل عمليات التحديث، فظهر نوع تلقائي من الرقابة، وهو ما يعرف برقابة المجتمع على الإبداع. وهو ما وضحناه في الفصل الثالث بعنوان رقابة المجتمع.
نظراً لخطورة حرية التعبير في كل دول العالم، فقد نظمتها مواثيق دولية، ونصت عليها الدساتير في معظم دول العالم، وصدرت القوانين إما لتحقيقها أو لتكبيلها، وقد نظمت الدساتير المختلفة، وتناولتها القوانين المحلية لمصر.
ويقصد بمفهوم الرقابة، هو عين الدولة الفاحصة، لكل ما ينتجه الفكر الإنساني، لمعرفة تأثيره على ثوابتها السياسية والدينية والقومية والعرقية، ما يكتبه المثقفون والأدباء والشعراء، وبمعنى آخر، قيام الحكومة بفحص ما ينتج داخل البلاد، وما يرد إليها من الخارج، من الكتب والصحف والمجلات والأفلام والرسائل ونحوها، قبل السماح بنشرها، لأجل ذلك تحاول الدولة في كل تصرفاتها، فيما يخص إنتاجها الفكري الثقافي، أن تحمي دينها وأيديولوجيتها وثقافتها من الأفكار الغريبة التي تشوهها. وفي نفس الوقت تبتغي من الكتاب والمثقفين تأييد سياستها.
المصدر: صحيفة الدستور الأردنية