أصدر الناقد والكاتب المغربي محمد برادة روايته السادسة تحت عنوان مثير وذي بعد فلسفي وجودي: «موت مختلف».
يتمحور السرد حول منير، الشخصية الرئيسية التي تتبادل المواقع مع السارد الرئيسي في أعمال محمد برادة السردية الروائية: «راوي الرواة».
بذلك تقوم شخصية منير بوظيفة سردية مزدوجة، مرة يكون السارد، فيروي الوقائع بضمير المتكلم في محكيات ذاتية، ومرة أخرى يكون موضوعا للسرد، يقوم راوي الرواة بإعادة الكلام وتأكيده أو توضيح واقعة أو موقف فكري وسياسي من الأحداث والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية التي سبق لمنير روايتها.
يسترسل منير في محكي مباشر بضمير المتكلم في استعراض التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي ساهمت في بلورة فكر فلاسفة الأنوار، ودعت الجماهير إلى الثورة على النظم السابقة التي حرمتهم حقوقهم المدنية وسلبتهم العيش الكريم ورسخت في أذهانهم العبودية والكدح لصالح رفاهية فئات حاكمة وحاشية متعلقة بها. تلك الثورة اندلعت في الواقع سنة 1789، لتحرر الفرد من القيود الكنسية، ومن عبوديته وتقديسه الأعمى للأسر المالكة من الملوك «اللويسيين» المتعاقبين على العرش.
عرض تاريخي استعان فيه السارد بكثير من المعينات والقرائن غير اللِّسَانِيَّةِ التي تحيل على المرجع خارج النص التخييلي، وتحيل على الحقيقة المدونة (1789، 1871، 1905، 1936، 1968). وهو عرض يَدْعَمُ الخطاب التاريخي المحكي الشخصي لمنير، لكنه يقدم تنويعا على مستوى لغة الخطاب الروائي، فينتقل من التخييل إلى التقرير، ومن الذات إلى الآخر، ومن السرد إلى العرض، وهكذا.
لا تعتمد رواية محمد برادة «موت مختلف» على التركيب السردي أو تعدد المحكيات وتنوعها، لكنها استبدلتها بالتركيب والتنوع على مستوى اللغة وأشكال الخطاب، وأنواع النصوص المتخللة، التي نجدها موزعة بين السرد والوصف والإخبار والحجاج والتفسير ثم التوجيه. أي أن الرواية وظفت جميع أنواع النصوص الممكنة، لقول فكرة: أن فلسفة الأنوار ومبادئها التي فشلت مؤخرا في فرنسا يمكن نجاحها في دبدو المغربية!
المصدر: جريدة القدس العربي