“تساقط كل شيء في هذه الدار ولم يبق سوى باب سعادة يقولون أنها كانت تموج بين حيطانها. لم يبق غيرنا أبي وأمي واخوتي وأنا نمضي مثقّلين بإرث جديد نحمله دوداً مقززاً ينخرنا من الأحشاء الى الأحشاء ولعنة تلاحقنا الى حين البعث.. مللت يا صفوى.. سئمت كل شيء.. ماذا يمكن أن أنتظر من أيام قادمة لم تحفل سابقاتها بغير ضياعي والاستهزاء بأفراحي.. كم من الفواجع ستسقط هذه الذاكرة المخدوشة المتورقة غداً يا ترى؟ ماذا سينخرها من جديد المصائب التي وعدت بها؟ آ… ه… لا شيء يجعلنا نكبر في غير الأوان مثل أحزاننا الكبيرة يا صفوى. خلف هذه البوابة عالم غريب لا أدري لماذا لا ينكشف للآخرين. لا أحد سمع مرة صرير بكرة البئر عند الهزيع الأخير من الليالي الكأداء التي أقضيها وحيداً لا رفيق لي في هذا الكون الزاخر غيرهم. لا أحد سمع الماء يدلق على الأرضية الرخامية ولا أحد أنصت الى غناء وأحاديث أهل الدار الخلفية. هم جماعة يعيشون على الانبساط الدائم المتواصل يا صفوى، وكأني بهم اعتصبوا كل أفراح هذا البيت الكبير الذي يقول الجميع أن خلدون الذي هو جدي بناه بثورة هرب بها من بلاده البعيدة، ثروته التي لا يعلم مصدرها الحقيقي غير كاشف الأسرار وقليلين من ذريته الذين ستظل لعنة الدم المسفوك تلاحقهم الى يوم ينشرون. أجل ثروته المهولة التي تعيشنا في بحبوحة اليوم وحتى الأيام البعيدة القادمة. ما أكبر شقاءنا رغم هذا الرخاء العميم يا صفوى!” الحكاية لم تنته بعد وهي ربما لا تنتهي أبداً، حكاية اسدلت ستائر الكآبة على فصولها الراقية. حكاية امرأة وحيدة، أنثى قد شبّت، تتغبأ ظلال معان عميقة. وتمضي في رواية قصتها التي تتشظى أحداثها كتشظي تجربتها العاطفية وكتشظي أحلامها في حياة ملأى بالمفارقات.