“نفس بارد من الفجر الأخير يلمس ضوء المصباح المعلق في سقف خشبي بمنزل يأوي أسرة صغيرة: زوجين وثلاثة أطفال أقل من ثمان سنوات، أيقظهن إرتجاجٌ بقربهم، يسمعون صراخاً وركضاً من جهة النافذة النائمين أسفل منها، كأن أشباحاً من جنبات الظلام تقع وتنهض وتتلاحق حول المنزل، شيء من الخوار المرعب ينطّ في السماء وينخفض بسرعة، شظّ الرعب عقولهم كحدّ الحنجر.
عَدْدٌ وسقوط على التراب الناعم بجوار منزلهم، الزوجة تلمس بكفّها العرق البارد الذي يسبح فيه جسدها الخائف… النار رفيقة الدخان، صياح من الأسفل ومن الأعلى، وأنينٌ طويلٌ ورائهما، استوى النروج عن فراشه، فتعلقت بذراعه تترسله بالبقاء وضبط الصمت، رفع بأصابعه الأربعة اليمنى خصلات شعرها الأسود عن عينها اليسرى ثم لمس بقدميه الدافئتين برودة الأرض واتجه إلى النافذة، ليعطي لعينه فرصة فهم ما يدور في الخارج، لم ير في الظلام غير أجسادٍ مقيدة تحاول التخلص من قيودها، “سنقتل”، قالت الزوجة له وهي تبتسم بخوف بينما أصابعه تشير بعدم الكلام، “سنجوع أقلها” فرحلت كلمتها لتتوقف في أذن جنديٍّ يعبر قربهم يجرّ أسيراً من عنقه، نأمر مرافقيه فوراً، شَعَرَ الزوجان أن الجند يأتون من أمكنة متفرقة، خلعوا الباب واقتحموا المنزل عليهم، فرمت الزوجة خدّها إلى خدّ رضيعها وجمعت ذراعيها حوله، سألوا الزوج عن اسمه واسم زوجته، لم يحب لئلا يعرفوا من صوته المشنوق أنه يبكي من الشعور بالذل، قتل أحدهم الزوجة بسيفه ومسح دمها بجديلتها، وأخذوا الزوج بعد أن أوسعوه ضرباً في عربة من عربات الأسر.
تلك هي حكاية مينار تلك المدينة التي ترقرق دم أبنائها بين العمائم واللحى… ملك لم يفكر سوى في القتل والسلطة… ملك يطيب له القتل والسفك في شعبه حتى جرى الدم في مينار أنهاراً ولكن لا بد من الليل أن ينجلي… ليزحف الثوار في يوم نحو القصر… دكّ الباب على الملك فكانت دكة خلعته لتتزاحم البشر منه وتهوي بما حملته أيديها عليه من غرفة طالما ذاق فيها المتع واللذات.