يصل إلي ورشته ويجلس بين عدته ومفاتيحه. يفكر في حل يجنبه سماع كل” الحكايات التي تقتله في اليوم مئات المرات، وتسبب لي اكتئاباً لم يعرفه إلا في السنوات الأخيرة، وتصيبه بالسير نائماً فلا يدري في أي أرض يموت. تبزغ في ذهنه فكرة تبدو مجنونة، سريعاً ما تختمر في رأسه فيبتسم لها .يغلق الورشة مبكراً جداً عن موعده، وفي طريق العودة للبيت يفكّر في تفاصيلها ويتصور كيف سيكون حاله بعد تنفيذها لو تحقق مراده. يجد زوجته تستعد للخروج إلى السوق، فيصطحبها معه للورشة من جديد دون أن تدرك ماذا جرى للرجل العجوز في هذه الظهيرة. وفي الطريق يمر على محل يبيع الجلود، يشتري منه جلوداً صلبة، كمية كبيرة بعض الشيء، تحسباً لفشل التجربة عدة مرات. يفتح باب الورشة ويجلِس زوجته إلى مقعد خشبي. تسأله في ذهول عما حدث له. يبتسم ابتسامة رجل عجوز أدرك بعد سنوات عمره الطويل أن السعادة على بعد خطوة وليس عليه سوى أن يخطوها. يخبرها أنه سيصنع مفتاحاً للسمع. تنظر إليه كمن تنظر لمجنون وتظن أن الأرق والاضطراب خلّفا فيه بعضاً من العته، أو ربما أصابه مس أرضي. يتركها في صعقتها ويمسك بورقة وقلم ويرسم ثنيات أذنيها وتعرجاتها، ويبدأ في تقطيع الجلد في شكل مفتاح تتناسب سنونه مع ثنيات الأذن بدقة. يدخله في أذنها اليمنى وأغلق سمعها، ويفعل في اليسرى نفس الشيء. يسألها، كتجربة، إن كانت تسمعه، فتنظر إليه ببلاهة وتسأله ماذا يقول. يكرر سؤاله لها ليتأكد من أن سمعها قد أغلق، وبعدها يفتح سمعها بالمفتاح. سريعاً، كمن عثر على بقعة ماء في صحراء، يطلب منها أن ترسم ثنيات أذنه. تبذل جهداً فوق طاقتها حتى تضبط يدها بالدقة المطلوبة، فيأخذ الرسمة ويصنع مفتاحاً لنفسه، له سنون تطابق ثنيات الأذن، يغلق به سمعه، ويطلب منها أن تحدثه. تتكلم فلا يسمعها. يطلب منها أن تتحدث بصوت أعلى، فلا يسمع شيئاً. يمسك بالمفتاح ويفتح سمعه والسعادة تغمره، كمن كان في كهف وعثر على باب سري يؤدي إلى الحياة. يشرح لها أن هذا المفتاح سعادته، سأغلق أذني عندما أريد. ربما لم تفهمه جيداً، لكنها دعت له بالسعادة وتركته وانصرفت لقضاء حوائجه.
صانع المفاتيح
