تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

عمرو على إبراهيم العادلي

الإسم الكامل: عمرو على إبراهيم العادلي

المعلومات الشخصية:

الاسم الكامل: عمرو على إبراهيم العادلي
مكان الولادة وتاريخها: 9 – 12 – 1970 محافظة الدقهلية
الجنسية: مصري

السيرة الحياتية:

نبذة عن المؤلف عمرو على إبراهيم العادلي، روائي وقاص مصري من مواليد القاهرة 1970، تخرج من قسم الاجتماع بجامعة عين شمس وباحث في علم اجتماع الأدب، صدرت له العديد من الأعمال، أبرزها مجموعة \”حكاية يوسف إدريس\” سنة 2012 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي حصدت جائزة ساويرس في القصة القصيرة فرع كبار الكتّاب لسنة 2016، ورواية \”الزيارة\” سنة عن دار اكتب 2014، والتي حصل من خلالها على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب لسنة 2016. من أعماله الأخرى روايات \”إغواء يوسف\” عن دار ميريت سنة 2011، \”كتالوج شندلر\” عن دار نهضة مصر سنة 2013، و\”رحلة العائلة غير المقدسة\” عن الدار المصرية اللبنانية سنة 2015. كتب مقالات في جريدة أخبار الأدب المصرية وجريدة القاهرة وموقع كتب وكتاب.

النتاج الروائي:

رواية \”الزيارة\” سنة 2014 عن دار اكتب، رواية \”إغواء يوسف\” عن دار ميريت سنة 2011، ورواية \”كتالوج شندلر\” عن دار نهضة مصر سنة 2013، ورواية\”رحلة العائلة غير المقدسة\” عن الدار المصرية اللبنانية سنة 2015.

النتاجات الأخرى:

مجموعة \”خبز أسود\” سنه 2007، ومجموعة \”جوابات للسما\” سنة 2008، مجموعة \”حكاية يوسف إدريس\” سنة 2012 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

نقد ودراسات عن الروائي:

\”زيارة\” .. عمرو العادلي .. وسيظل الخامس والعشرين من يناير محفورا في ذاكرة التاريخ، ما بقي التاريخ.. وملهما لمبدعي الرواية لسنوات طوال، حتي تصبح الرواية، كما أردد دائما، هي المرجع الأصدق والحقيقي لتاريخ الشعوب. خاصة تلك الروايات التي تقوم علي الفهم الصحيح لجوهر المراحل الاجتماعية في حياة الشعوب. وقد حفر الخامس والعشرين من يناير 2011، بداية مجموعة من العلامات البارزة في حياة المصريين، بدأ من الثمانية عشر يوما، التي عاشها المصريون في الميادين، صنعوا فيها ما لم يكن متصورا في حياتهم. ثم فترة حكم المجلس العسكري الذي تولي إدارة البلاد بعد تخلي مبارك، ثم فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، فحكم محمد مرسي والمسمي بفترة حكم الإخوان، والذي لم يستمر سوي عام واحد، إلا انه مَثَّلَ حراكا جوهريا، لتعرضه لتغيير هوية الشخصية المصرية، وما انبثق عنها – بعد لفظها- العنف الدموي الذي هدد البلاد، داخليا وخارجيا، حتي ترك بصمة مؤلمة في كل بيت مصري – إن سلبا أو إيجابا -، وما أدي إليه من تدخل عسكري جديد مؤيد بإرادة شعبية لم يسبق لها مثيل، وما أدت بنا إلي دخول مرحلة جديدة قديمة بتولي القائد العسكري، في أيامهم، حكم البلاد. لتدخل البلاد مرحلة جديدة لابد أن الرواية ستتناولها، وستكون مادتها في القريب. ولما كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية، النابعة من الظروف السياسية، تعكس بالضرورة رؤية القارئ لما يقرأ، أو بوحي منها يكون تقبل القارئ لما يقرأ، فإنها بالضرورة كذلك تؤثر في الإبداع الأدبي، سعيا منه لدور فيها. فكان من الأهمية تحديد ما تقدم لرؤية، وللوصول لجوهر العمل الإبداعي للروائي \”عمرو العادلي\” الفائز بجائزة الدولة التشجيعية للعام 2015 \”الزيارة\” ، والتي تجاوزت كل المراحل التسجيلية في تلك المرحلة، حكم الإخوان، وصولا لجوهر رؤية الشعب لأخطر فتراتها، فترة حكم الإخوان المسلمين، والتي تمثلت في جوهر الإنسان المصري، بأنهم يأخذوننا إلي الوراء، أو يحاولون بعث الماضي، وكأنه زرع في أرض غير صالحة للزرع. ولا أقول أنها تجاوزت المراحل التسجيلية فقط لأنها لم تسجل حدثا، أو أحداثا محددة، وإنما لانطلاقها من أرض الواقع، محلقة لآفاق الخيال، حتي تغطي تلك المرحلة، دون أن تتوقف عندها، متجاوزة حدود الزمان والمكان، خاصة بعد أن إنطلقت أيدي الدواعش في محيط العالم كله، مهددة بعودة العالم إلي أفكار تلك المرحلة التي توقف الزمن بها عند ما يزيد علي الألف عام. متجاهلة كل ما حدث في العالم من تغيرات ومستجدات. تتلخص فكرة الرواية في شخص يدعي ‘عمر سعيد إبراهيم’ كان يعيش مع أمه وجدته لأمه، وقبل وفاة أمه، توصيه بالبحث عن أبيه الذي رحل ولم يكن عمر قد جاوز مرحلة الطفولة، ورغبة في في تحقيق رغبة الأم، يبحث عمر عن أبيه، الذي لم يكن يحمل له أي مشاعر، أو يعلم له أي ملامح، ليدخلنا مباشرة في عملية التأويل، والبحث عما يمثله ذلك الأب في المخيلة: {يتشكل وعيي عن طريق حزمة أمنياتي حددتها أمي، وبعد أن أصبح بإمكاني تحقيق ما أرادت ، ماتت. تركت لي الحيرة في اختيار أب يناسب طموحاتي وخيالي، وذلك بالتأكيد لأحل محل أبي الذي حل بدوره محل جدي}ص27. فيدخل مصحة يجد فيها أباه، إلا أنه وجده– في رؤية كفكاوية – مجرد رأس بدون جسد. ومُنع إبراهيم من الخروج، وكأنه تم حبسه بمعرفة الحراس الجدد. وبعد أن يتمكن مؤخرا من الخروج، حاملا أبيه معه (مجرد الرأس) نتعرف علي الموت، غير اليقيني للجدة.ونتعرف علي الطفل (الرمزي) تقدمه أمه له(لعمر). لنجد أنفسنا أمام شحنة مكثفة من الرموز والدلالات، وكابوس غير مرعب من الرؤي الكفكاوية، التي تحمل القارئ علي أجنحة المتعة والتوق المُحفز لمعرفة المصير، وأصل الحكاية، ليجد نفسه في النهاية يقف علي أطلال الواقع القريب الذي لم يكد يغادره، ولكنه يسعي لمغادرته. وما يجعلنا نتكلم بوضوح عن الفترة التي تتناولها الرواية، ما أكده في أكثر من موضع، عن حقيقة \”الحراس الجدد\”، وكيف أنهم لابسي الجلابيب البيضاء النظيفة، واللحي التي اشبه بقشر الرومان (المحناة) وراكبي الهودج (الجمل).مثل ما راح يعبر عنه \”عمر\” بعد أن وجد نفسه غير قادر علي الخروج (محبوسا) هو وكثيرون غيره{ بشر جاءوا من كل الأماكن، مشكلتهم الوحيدة أنهم يريدون علاجا، أو يزورون أقارب يحتاجون لمن يعودهم ويعطف عليهم، فوجدوا أنفسهم تحت حُكم الحراس الجدد، كان حكما ظاهره الرحمة والكلمات الفضفاضة عن الروح والجسد والمبالغات الفلكية عن السماوات السبع والأراضين السبعة، وحكايات موصولة عن البؤساء الذين لم يسعفهم الحظ بأن يكونوا مؤمنين، أما باطنه فيشهد عليه انشطار أبيك..}ص105 ، 106. حيث يجب أن نلاحظ استخدام {تحت حُكم الحراس الجدد}، {كان حكما}. خاصة مع التكثيف الذي اتبعته الرواية، رغم عدم صغرها النسبي(215 صفحة من القطع المتوسط)، وهو ما يعني أن لكل كلمة حسابها في ميزان المعني والمبني معا. وهو ما يجعلنا نتأمل تلك الصورة التي وجد الراوي عليها أبيه، وما عبر عنها ب(الانشطار)، الذي صحب، سيف فيه الراوي ليريه تلك الأجساد التي بلا رؤوس (المنشطرة). عندما دخل \”عمر\” إلي المستشفي، وتعرف علي أبيه، أو بمعني أصح رأس أبيه، واستقصي عما حدث. علم أن شخصا يدعي \”سيف باشا\” هو قائد فرقة التعذيب التي فصلت الرأس عن الجسد. ثم تعرف – دون معرفة- علي هذا ال \”سيف\” أثناء زرعه وتنظيفه المكان, سأله \”عمر\” لماذا تعمل وهم كسالي؟ فأجاب الأخير بأنهم يعملون ما هو أهم مما يعمل، إنهم (بركة) – وهو ما سنعود إليه لاحقا – ثم ما لبث أن ذهب للوضوء والصلاة. فعلم \”عمر\” من \”حسن\” أن من كان يكلمه ليس إلا \”سيف باشا\”. فتعجب \”عمر\”، كيف أن هذا من هو تفكيره بالسلم والوداعة والورع، كيف تتلوث يداه بالدماء؟. وإذا ما علمنا أن جريمة \”سعيد إبرهيم\”، والد عمر، والتي استحق عنها هذا العقاب، أنه لم يكن يصلي، بل كان يسد أذنيه حين سماع الأذان،وذلك العقاب (المستحق) من وجهة نظر تلك الجماعات، هو ما درجت عليه كل الجماعات المتأسلمة، بمن فيهم بالطبع، الإخوان\” ومن بعدهم داعش. لنخرد بإزدواجية تلك النماذج، فهم يعيشون بيننا بوجه، بينما الوجه الآخر لهم، هو العنف والقتل والدم. ففي ذلك العرض الذي اصطحب فيه الشخص (الوديع) سيف باشا – حيث الاسم الدال هنا كذلك، صحب فيه عمر لمشاهدة تلك الأجساد بلا رؤوس: { كانت الأجساد فاقدة الرؤوس مجرد كتل من لحم، كصناديق لا توحي بشئ، لا يتكلمون، ولا أعرف باي عضو يسمعون، وكيف يتأففون من الروائح الكريهة أو يثنون علي أريج عطر، كيف يندمجون مع بعضهم؟ ….. بعد تسابيح المساء وقف سيف باشا وأشار لي بطول ذراعه علي الأجساد التي تتحرك في كل اتجاه وقال: انظر .. انظر جيدا.. إنهم يمكنهم التكاثر وإنجاب ذرية بنفس الشكل بدون رؤوس}ص92، 93. وتلك هي الرؤية التي تقودنا إلي صنيع تلك الجماعات، وهو مسح أدمغة التابعين، لعدم تواجد أيا من الأفكار بداخلها غير ما يريدون زرعه فيهم، السمع والطاعة. التنفيذ الأعمي بدون التفكير.. ومن هنا جاءت عدم أهمية تلك الرؤوس لأتباعهم، أو من يريدونه تابعا لهم. ومن هنا جاءت رمزية قطع الرؤوس. ف\”سعيد إبراهيم\” كان له فكر مختلف، كان له رأي، فكان (علاجه)، ولا أقول عقابه، هو قطع هذه الرأس. ومن هنا كان تجمع هذا العدد، وكانت الزيارة، في المستشفي، ولم تكن في سجن مثلا. فهم يرون أن هداية الناس، وعودتهم لطريق الله، ظاهرا، ولطريقهم،هم، باطنا، هو باجتثاث تلك الرؤوس التي تفكر. وهو ما يقودنا –أيضا- إلي تأويل تلك الفعلة الغريبة من الجدة، حيث درجت علي قضم الأذرع، أذرع من حولها، وفي جلسة هادئة، أخبرتهم بأن ذلك يقربهم إلي الله، وكذلك قالت الأم. وهو ما إذا ربطناه بما ذكرناه سابقا، حيث رؤية \”سيف\” لمن لا يعملون، بأنهم \”بركة\” الأمر الذي يعني أن هناك أناس أقرب إلي الله، وعلي الآخرين خدمتهم، طمعا في حلول بركتهم. وهو ما يعيد إلينا ذلك الحديث الذي رُوِيَ عن رسول الله(ص) من أنه رأي رجلا يجلس بالمسجد طول الوقت، فسأل عمن يطعمه، فقيل له: أخوه، فقال رسول الله (ص): أخوه أعبد منه. ومن هنا فإن الذراع هنا تشير إلي العمل، بينما تري تلك الجماعات، إعتمادا علي التواكل، لا التوكل: { أتعلم أن جدتك ليست الحالة الأولي التي جاءتنا وتريد التهام أي ذراع تراه؟ هل هناك حالات مشابهة؟ أربع وستون حالة في ثلاثة أشهر فقط. وهل عرفتم السبب؟ اسباب متنوعة لا يربطها شئ واحد ولكن أغلبهم قالوا أنهم يشعرون بعد محاولات القضم بأنهم قد ازدادوا إيمانا.}ص56. فالذراع تعني العمل، والعبادة أهم من العمل. فالجدة تريد، وفق عقيدتها وقناعاتهم، أن تقربهم إلي الله، بقضم أذرعتهم. في الوقت الذي لم تكن الجدة هي الحالة الوحيدة، إشارة إلي تنامي ذلك الفكر السلفي الداعي للعودة إلي الخلف، حيث أخبر طبيب المستشفي التي أرادوا إدخال الجدة فيها بأنهعلى مدار ثلاثة أشهر استقبل 64 حالة مشكلتها هي “قضم الأذرع. وهو ما يعني تزايد تلك الدعوات. فإذا ما اضفنا، أيضا، مشهد الجدة حينما عاد إليها \”عمر\” بعد الزيارة، فوجدها قد عادت إلي صباها، ومعها زوجها، جده الذي مات من سنين، وتدللها كشابة في ريعان شبابها، فهي إشارة أيضا إلي بعث تلك الدعوات المتأسلمة، التي تعود بنا للخلف. وكأنها تعود لعافيتها، وشبابها من جديد. فضلا كذلك عن موت الأم قبل الجدة. ورغم الموت الصريح للأم، ظل موت الجدة هلاميا، وغير مؤكد، فهو أيضا يعني انبعاث النار من تحت الرمام. تلك النار التي، أفنت أجيالا، بينما هي موجودة تحت الرمان، تُبعث من جديد، بل ويزداد اشتعالها، أو صباها وشبابها. فرغم الاستعداد لموت الجدة أكثر من مرة، أو تصورها في عداد الموتي، تعود للدلال والتدلل في أوج شبابها. إلا اننا عندما نتوقف بالرواية (الزيارة) عند فترة حكم الإخوان فقط، فإننا نَحُد من فضائها الواسع الذي يشمل كل أنواع الحكم غير الديمقراطي، أو كل أنواع الحكم القائم علي البطش، وكتم الحريات، أو إن شئنا، كل أنواع الحكم فيما يسمي بالعالم الثالث، والتي في المركز منه، شرقنا العربي. فحين نتأمل مسلك \”حسن\” مع الراوي \”عمر\” ونري ذلك الخوف، بل الرعب القابع في الأعماق في: {جلس حسن في البوفيه وطلب شايا، فجلست بجواره وسألته: كيف نستعيد ما يريده أبي؟ لم يجب حسن، شدني من يدي وقام، ولما خرجنا شرح لي سبب الخروج: هنا ليس للحيطان آذان. بل الحيطان نفسها آذان متنكرة. – وهل يتنصتون علي كلماتنا؟ – وعلي نوايانا إن أمكنهم ذلك.}ص75. و{مللت من جذب حسن لذراعي، لا يريد أن نستمر في مكان بعينه، لا نستقر علي حال واحد لأكثر من خمس دقائق، وكأن هناك من يراقبنا بشكل دائم. أشار حسن إلي رجل مهيب الكرش واللغد، طويل كعفريت القمقم، ملامحه عبوسة ومرعبة، حاول أن يبتسم فخرجت الابتسامة أشد رعبا: عليك أن تجتاز هذا الفيل أولا قال حسن. وبعد ذلك؟ نتعرف علي ما فقده أبوك… ونعيده.}ص78. ولم يكن ما يريده أبوه سوي استعادة ما أخذوه منه، لايريد سوي جسده، أن يعيش بجسد ورأس، أن يعيش كإنسان، لا كدابة يسحبونها ويوجهونها وفقما يروا هم، دون أن يكون له حق السؤال. التقنية الروائية قسم الكاتب روايته إلي ثلاثة أقسام، أو ثلاثة أبواب، تمثل في مجموعها التجربة كاملة ومشبعة. القسم الأول هو \”البوابة\” فالدخول لأي مكان يكون عبر البوابة، والدخول لتلك

التجربة، أيضا كان عبر البوابة، حيث دخلنا إلي عالم تلك الجماعات، وتعرفنا علي ما يفعلونه، لا بالمصريين، ولكن بالبشر. وفيها شعرنا بالاختناق، فسعينا للخروج، غير أن الخروج لم يكن كالدخول، فالداخل عندهم ك(المحبوس). ولنا أن نتصور ما عايشناه علي الطبيعة مصير كل من يحاول الخروج منهم. غير أننا في النهاية (الراوي) ينجح في الخروج بما تبقي من أبيه. فكان القسم الثاني هو \”الخروج\” لنتعرف فيه علي ما تركوه من آثار: {أنزلنا الرجل الذي كان يتوضأ أثناء دخولنا المدينة، … ، أمسكني من يدي وطاف بي، خطونا فوق تلال من الأتربة لها لون الدخان ورائحة الحرائق، عبرنا حجارة صغيرة، وأكوام طوب كفوائض هدم البنايات، والبيوت التي تركتها تناطح السحاب تقزمت وصارت من دورين علي الأكثر، كأني في قرية شُيدت منذ مئة عام، وسألت الرجل الذي كان حريصا علي الإمساك بي: – هل هذه هي المدينة؟ – نعم . ولكن بعد استرداد الحقوق وإرجاعها إلي أصحابها.}ص186. و واثناء سير السارد بعد العودة برأس أبيه، وحوله أناس من المفرج عنهم –مثله- سأل أحد الفلاحين يحمل فأسا علي كتفه، يسأله السارد عن بيت جدته فيجيب: {جدتك؟ هل لاتزال لك جدة علي قيد الحياة؟ أنت محظوظ. – لماذا أنا محظوظ .. هه . لماذا؟ – لأن لك جدة علي قيد الحياة. فأكثر ما نتمناه الآن أن نظل نحن علي قيد الحياة … – هل حدث شئ في الأسبوعبن الماضيين؟ – حصلت أشياء تُشيب الأقرع. – ………….. – الحراس المنتشرون في كل شبر جعلونا نتمني نزول الشيطان إلي الأرض بأقصي سرعةممكنة. وعدونا بأنهم سيُشرفون علينا. يحكموننا يعني. وسيحملون إلينا الطير بعد ذلك. – وهل حملوه؟ – مات الطير قبل أن يفوا بوعودهم…. أنا لم أقل لك شيئا .. هه لم أقل لك .. أفهمت؟}ص173 ،174. وأراد السارد أن ينجو برأس أبيه بعد أن راحوا يطاردونه، في هجوم همجي شرس، يريدون إعادته، ويريد الفرار: لم أعد أشعر بشئ من حولي، أصبحت أملك رأسا فقط، رأسا يتشبث بدفء بملابسي، لايريد أن يتركني، ولا أريد أن أتنازل عن شعرة منه، كنت أركض كالمجنون، والناس من خلفي يركضون، يمدون أظافرهم تجاهي ككلاليب، جلافتهم المتوحشة تتجلي في مطاردتهم العشوائية، داسو علي كل الجثث التي قابلتهم، غاصت نعالهم الغليظة في الأحشاء المكشوفة، أصبح هدفهم بالنسبة لي واضحا بشكل كبير.}ص192. وبعد أن دخلنا من البوابة، وعشنا التجربة، وعايشنا مرارتها، ثم خرجنا منها، وعايشنا ارتدادنا، ورجوعنا لقرون اختلفت عن قرننا، وضعتنا التجربة أمام أنفسنا، فكان \”الاختيار\” هو القسم الثالث، والذي أنبت لنا فيه الكاتب ذلك الطفل (الرمزي) وكأنه يدعونا لاختيار المستقبل، بدلا من تلك التجربة التي عشنا فيها الماضي: {وعندما لمست يدي رأس أبي المستكين اقترب مني طفل لا أعرفه، أشارت أمي إليه ثم اختفت، مددت يدي فتجاوب الطفل ومد يده هو الآخر، لما تشابكت الأيادي وعاد الرأس لحوذتي وجدت قدمي تمشي في اتجاه الطفل، كان يشبهني وأنا صغير إلي حد كبير، ومثلي يلبس ساعة قديمة بعقارب، ولكنها صغيرة تناسب يد طفل، عقاربها متأخرة قليلا عن ساعتي، …… لما نشطت خطواتي وأنا أسحب معي رفيقي، الطفل، رأيتهم علينا يهجمون.. كانوا بشرا مثلي ومثل الطفل تماما، ملامحهم ثابتة علي قسوتها………….. أخذني الطفل من يدي، سحبني فوق الركام والخراب، كانت الجثث تئن تحت وطء أقدامنا، تتقوس عظامها وتطرقع. فسألته: إلي أين نحن ذاهبان؟ – إلي البستان. – ……. – صدقني. خلف كل هذا الدمار بستان. }ص206 ، 207. من الطبيعي، أن يختلف معنا البعض، وربما كثيرون، لنجاح تلك الجماعات، المتأسلمة، في اجتذاب الكثيرين، أو تجنيدهم، مستخدمين المشاعر الدينية الغيبية، والتي تمثل عصبا جوهريا في ثقافة الإنسان العربي. ومن الطبيعي أن ينظر هذا الفصيل لها، علي أنها السير نحو الأمام، لا الخلف، علي إعتبار أن الموت هو المستقبل الأكيد لكل ما ومن علي الآرض، وعلي اعتبار أن الدنيا ليست سوي معبر للآخرة. أي أن الموضوع نسبي، بحسب زاوية الرؤية، أو بحسب الوعي. ولما كان الزمن هو هو الرؤية في النهاية، ولما كان الزمن، ليس هو ما تعارفنا عليه من ثوان ودقائق. وإنما أثبتت الفلسفة أنه شئ نسبي. فقد ترجم ذلك \”عمرو العادلي\” في روايته بشكل إبداعي، لا يخلو من التشويق، كما لايخلو من الرؤي الفلسفية المعبرة عن ذلك. بداية من تلك الساعة التي كانت ميراث السارد الوحيد عن أبيه، حيث ورثها أبوه عن جده، ووجد مثلها في معصم الطفل، غير أن عقاربها متأخرة عن عقارب ساعته. تلك الساعة التي لا تعمل بالحجارة ولا بالكهرباء، وإنما تعمل فقط بنبض القلب، او نبض الحياة. وكأنه يقول لنا أن كل إنسان له ساعته الخاصة، مرتبطة بوجوده هو، وبإحساسه هو. كما أكد لنا في أكثر من موضع نسبية ذلك الزمن. وها هو السارد يقع في تلك النسبية التي تذكرنا بحكاية الملك العاري، الذي رآه رعيته يلبس أبهي الحُلل، ولم يجرؤ واحد أن يخبره بعريه إلا ذاك الطفل– مع اختلاف الهدف في تلك الحكاية عنا يهدف إليه ساردنا-. حيث راي السارد من حوله كلهم عرايا، بينما هم الذين يرونه عريانا، بعد عجيب ما رآه بالمستشفي، وما علمه من أفعال الحراس الجدد، الأمر الذي جعله أقرب إلي الجنون منه إلي العقل: { فقدت مع الوقت الإحساس بالساعة وتعاقب الليل والنهار. كل ذلك لم يكن يقلقني، وجودي بين الكتل البشرية العارية، تدثري بملابس ثقيلة لايرونها جميعا، كانوا يرون فقط ساعتي أم عقارب، مقبرة الآمال العظيمة والخيبات المتوالية، كان سبب الطمأنينة هو أني لازلت أشعر بمن حولي، أحاول توصيف الأحداث بما أمتلك من بقايا وعي..}ص128. فإذا ما علمنا أن السارد كان يعمل ترزيا، ابن ترزي، مهمته كسوة الآخرين، أي إلباسهم وتغطية عوراتهم

أنا صاحب أزياء الشرق، أنا مؤسس أزياء الشرق … كيف أكون صانع ملابس والناس تتفق علي أني عريان؟}ص142. فقد تداخلت الرؤي، ووصلت حد التعارض، الأمر الذي يحتم ضرورة الاختيار، ضرورة وضع النقط فوق الحروف: {ماذا يقصد الرجل إذن بأني عار؟ كان هو العاري ولا يشعر بذلك، لما رآني هل رأي نفسه في اللحظة ذاتها؟…… هل توصلوا عن طريق حزمة من الحيل البارعة في هز ترتيب الزمن؟ هل يمكنني أن أستوعب عمرا في ساعة واحدة علي الأكثر؟}ص116. ولتجسيد تلك الحالة للقارئ، حالة اللإلتباس، والتداخل، والنسبية التي لايستطيع الإنسان فيها التعرف أين حدود كل منها. لعب الكاتب علي طريقتين، أدخل بهما القارئ في تلك الدوامة كي يعيشها بوجدانه، وليجعل الشكل يتطابق مع المضمون، ويكمله. أما الطريقة الأولي: تدور الرواية علي مستويين كان المستوي الأول يحكي الحاضر بضمير المتكلم. أما المستوي الثاني – وقد ميزه الكاتب بخط مختلف – كان السارد يعود فيه للماضي حيث خصصه الكاتب للحديث عن الجدة وأفعالها، وعن تاريخ الآباء والأجداد، يسير السرد فيه بضمير المخاطب. إلا أن السارد فيه هو نفسه السارد في القسم الأول. أي ان السارد هنا هو ضمير المتكلم، في وضع آخر. فبدا الحديث وكأن السارد انشق اثنين. ليزيد من حالة التمزق التي تعبر عن الفترة التي صيغت الرواية تعبيرا عنها. وأما الطريقة الثاني فهي التداخل بين الواقع والخيال. إقرار السارد أو الكاتب الضمني، بأنه بصدد كتابة رواية، لم تكتمل بعد، حيث قالت أمه (السارد) إذا اكتملت خاف منها، فهو يخشي الاكتمال، اكتمال المسألة أو الحالة التي يعرف بدايتها، لكنه لا يعرف نهايتها، وهو ما يزرع الخوف والخشية لأن تسير إلي النهاية مثلما تشير البداية. ثم نري التداخل بين بعض الشخصيات التي قابها السارد، علي أرض الواقع، مثل الجد \”فايز\”، ورفيق رحلة المستشفي \”حسن\” اللذين قابلا السارد بالفعل أثناء (الزيارة)، إن كان ثمة واقع، وبين كونها شخصيات روائية تدور في ذهن السارد. فإلي جانب أن المقطع التالي يكان يكون تلخيصا للرواية (الزيارة)، فإنه أيضا كاشف عن ذلك التداخل، علي المستوي الموضوعي، والشكلي في ذات الآن، حيث يسأل أحد حراس الحراس الجدد، الذين يركبون الهودج (الجمل) بملابسهم البيض، متفردين عن باقي الركب الذي يركب الحمير، وبعد أن توضأوا للصلاة، وبعد أن كانوا قد وزعوا علي أفراد الركب أسلحة غريبة (يبدو أنها قديمة، أو تجاوزها الزمن). يسأل السارد وكأنه في حالة تحقيق معه، للتأكد من صدق ولائهم للحراس الجدد: { – ما اسمك وأجبت: اسمي عمر سعيد إبراهيم. شخص ذهب لمكان ما، أعتقد أنه مستشفي، نعم مستشفي، ليزور أباه، ولم يجده، ولم يستطعالخروج من المستشفي. أنا عمر سعيد إبراهيم/ أمي ماتت دون مبالغة في إظهار عواطفها، وجدتي، لا أعرف مصيرها بشكل مؤكد، وفي يدي رواية غير مكتملة، بين الحين والآخر الكزني شخصيات معينة لأقوم بكتابتها، تصحيني من النوم، لا أتذكر منهم الآن إلا إسمين فقط، فايز وحسن. هل قابلتهما فعلا، أم أيقظاني لأضمهما لمتن روايتي؟ …………….. لذا فقد قررت أن أكتب رواية، كانت الأفكار تراودني، فأتذكر، ولا أستطيع الفصل التام بين ما أعيشه بالفعل وبين ما يُهيئ لي بأنني عشته…}ص183 ، 184. ويزيد الأمر تداخلا، ذلك المزج الذي لا تستطيع فيه تحديد عن أي رواية يتحدث السارد، أعن الرواية غير المكتملة التي يكتب فيها السارد، أم الرواية المكتملة التي كتبها الكاتب: {وبسبب حبكة الرواية سقط عنصر الزمن وصرت معلقا بين السماء والأرض}ص148. فالعبارة تنطبق علي كليهما، وإن كان سسقوط عنصر الزمن، وتداخله بشكل كبير، سقوط مقصود من كلاهما. وعلي الرغم من كفكاوية الكثير من شخوص وأحداث الرواية، إلا أن شخصية الجدة، وعلي رغم رمزيتها، إلا أنها تقف علي قدمين راسختين علي أرض الواقع، يستطيع أن يشعر بها من عايش مسنا. حيث نجح الكاتب في تصوير كيف يتعامل المسن مع من حوله، وكيف يكون مرهقا لهم، حيث العنف والخشونة في التعامل، تصورها أنهم يريدون موتها، أو التخلص منها. شعورها بالتحدي بأنها هي من ستدفنهم.. وكأنها شخصية حقيقية من أرض الواقع. وإذا كانت \”الزيارة\” تشير إلي ذلك العام الذي حكم فيه الإخوان مصر، والتي لم تتعد مجرد الزيارة العابرة، فإن ما عانته مصر، وما أثارته من أسئلة، علي ألسنة شعب بأكمله، عبر عنها الكاتب بلسان السارد {{ كيف استسلمت لهم حتي حبسوني في هذا المكان؟} و { لماذا يعتقد الحراس أن اللون الأبيض ملائكي؟}. فما كان اللون الأبيض لون جلابيبهم، ابيض كما يتصورون، لكن كان لون الدم الذي أسالوه طمعا في الحكم. ولتظل \”الزيارة\” وثيقة إبداعية، بذل فيها \”عمرو العادلي\” مجهودا كبيرا لتخرج بهذا الإحكام، ولتزيل عن جوائز الدولة بعض ما ران عليها من شكوك وآثام. شوقي عبد الحميد يحيي Em:[email protected] 23 /7 / 2016 – كُتبَ عن روايتى \”الزيارة\” و\”إغواء يوسف\” دراسة مطوله للدكتورة سناء أنس الوجود، أستاذ الأدب العربى بجامعة عين شمس وكانت الدراسة بعنوان \”المتاهات السردية فى كتابات عمرو العادلى

معلومات أخرى (جوائز، ندوات، استضافات.. إلخ):

جائزة ساويرس فرع كبار الكتاب، عن المجموعة القصصية \”حكاية يوسف إدريس\”، فى يناير 2016. – جائزة الدولة التشجيعية للآداب، عن رواية \”الزيارة\”، فى يونيو 2016. – تم عمل ندوات فى \”ورشة الزيتون\” الأدبيه ومكتبه \”القاهرة الكبرى\” بالزمالك ومكتبات \”ألف\” و\”ديوان\” و\”الشروق\”. – تم استضافة الكاتب فى قنوات ONTV وNile Live والنيل الثقافية